عادي

هرمان هيسه..لغة الزهور رفيقة الوحدة

22:55 مساء
قراءة 3 دقائق
3

القاهرة: الخليج

في تقديمه لرواية «لعبة الكريات الزجاجية» لهرمان هيسه (ولد في 2 يوليو 1877) يقول د. مصطفى ماهر مترجم الرواية إلى العربية: «عندما تقرأ الرواية، تحس بشيء من استهتار الكاتب بقالب الرواية؛ بل إننا نكاد نقول إنه يكسر عناصر مثل التشويق والتستر على النهاية، ويذكرها مبكراً مسبقاً، وليس في هذا ما يدهش، فهي عمل أقرب إلى الكتاب منه إلى الرواية». «محاولة» هذا هو الاسم الذي وصف به هيسه روايته الشهيرة، وقد عكف على كتابتها بين عامي 1931 و1942 بدأها قبل استيلاء هتلر على الحكم في ألمانيا بعامين، وأتمها قبل أن تبلغ الحرب العالمية الثانية نهايتها بثلاث سنوات، فكانت صيحة العقل في عصر ضاع منه العقل، وكان من الطبيعي أن يمنع النازي نشرها في ألمانيا فظهرت الطبعة الأولى في سويسرا ولم تطبع في ألمانيا إلا عام 1946.

كان أبو هرمان هيسه يحترف التبشير، وكان ما يميز البيت هو التدين المفرط، وكان هيسه بطبيعته متمرداً، يميل إلى الخيال. وكانت المدرسة في نظر هيسه العدو الذي يهجم عليه، ويريد أن يفسد عليه حياته وموهبته، كان يريد أن يندمج في الطبيعة، وفي كائناتها، ليفهم لغة الزهور لتكون رفيقته في وحدته.

كان عمره 13 سنة عندما كتب شعراً وقال: «إنني إما أن أصبح شاعراً أديباً، أو لا أصبح على الإطلاق» ومع الاندفاع في طريق الشعر زاد التمرد على البيت والمدرسة، وفي هذه الفترة بلغت الأزمة مداها: رفض للتقاليد، رفض للدنيا.

كانت حياته في غاية الاضطراب، يعيش في غرفة على السطوح، ويكثر من القراءة، وصقل موهبته الفنية، ويهمل المدرسة، ويكثر من الاستدانة، وإثارة الشغب، وأجبره أبوه على العمل في ورشة لصناعة إصلاح الساعات.

في هذه الورشة تمكن من التغلب على مشاكله وعقده، لقد ترك العمل في صناعة الساعات أثره العميق فيه، وهذا ما ظهر في «لعبة الكريات الزجاجية» وفي عام 1899 نشر ديوانه «أغان رومانتيكية» وانتقل إلى بازل، وأمضى حياته بين الوظيفة والدرس والنزهة على الأقدام، وفي عام 1904 أرسل روايته الأولى «بيتر كامينسند» إلى دار نشر كبيرة، ثم توالت أعماله: «تحت العجلة – الدنيا – طرق ملتوية – جرترود».

وفجأة يعود إلى الحديث عن العزلة والاكتئاب، ويسمع بداخله صوتاً يدعوه للسفر إلى الهند، وسافر ثم عاد إلى أوروبا، ولما قامت الحرب العالمية الأولى كان من القلائل الذين عارضوها، وأدى هذا الموقف إلى كثرة مهاجميه، وظل في نظر الحكم النازي ذلك الأديب الذي «يفتقر إلى الشهامة والشجاعة والرجولة».

وأصيب بالاكتئاب وساءت حالته النفسية خاصة بعد موت أبيه، ومرض ابنه الأصغر مرضاً كاد أن يقضي على حياته، ومرضت زوجته عقلياً، ولجأ هيسه نفسه إلى العلاج النفسي على يدي عالم النفس الشهير يونج، وقال: «إن محنتي تعني أن الكثير من الاضطراب يعتمل بداخلي ما دمت أجدني مصطدماً مع الدنيا كلها، وبحثت في نفسي فوجدت فيها بالفعل اضطراباً عظيماً»، لكنه بدأ من جديد وكتب روايته «دميان».

وصف توماس مان هذه الرواية بأنها «كهربت جيل العائدين من الحرب العالمية الأولى وأنها كانت بدقتها البالغة تمس عصب الحياة» كانت حياة هيسه قد تحطمت، فحزم متاعه وانتقل للعيش في جنوب سويسرا، واهتم بالرسم، وأنتج عدداً من القصص، ونشر مجموعة من القصائد، وفي عام 1923 حصل على الجنسية السويسرية، وفي عام 1946 حصل على جائزة نوبل.

كان في السنوات الأخيرة من حياته يعاني الشيخوخة والمرض، ففي عام 1961 أصابه مرض لوكيميا الدم واضطر إلى ملازمة البيت وفي الثامن من أغسطس 1962 استمع إلى سوناتة على البيانو لموتسارت واستمع إلى زوجته وهي تقرأ له شيئاً من كتاب، ونام، فلما أشرق نهار التاسع من أغسطس كان قد مات بنزيف في المخ، مات الأديب الذي كرس حياته لخدمة الإنسانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"