عادي

روبرت لويس ستيفنسن.. الرعب منبع المتعة

23:13 مساء
قراءة 3 دقائق
1

القاهرة: «الخليج»

تحت عنوان «القضية الغريبة للدكتور جيكل والمستر هايد» ظهرت الطبعة الأولى من هذه الرواية في شتاء 1886، ومنذ هذا التاريخ تحولت إلى عشرات الأفلام السينمائية التي تدور حول امتزاج الخير والشر في نفس الإنسان، ودعمت هذه الرواية اكتشافات علم النفس الحديث، حول الشخصية المريضة بالفصام.

وكان مؤلف الرواية روبرت لويس ستيفنسن (13 نوفمبر 1850 3 ديسمبر 1894) مشغولاً بفكرة «القرين» أو الذات الأخرى، وعالجها مراراً في كتبه، ففي روايته «سيد بالانتري» الشخصيتان الأساسيتان بالغتا التعقيد، وهما جيمس وهنري، يتمازج فيهما الخير والشر، وفي نهاية الرواية يموتان في الوقت نفسه في مكانين منفصلين، وقد امتدح هذه الرواية فالتر بنيامين وأندريه جيد واعتبرها بريخت وكالفينو ونابوكوف، ذروة ما كتبه ستيفنسن.

كان الأسلوب شاغل ستيفنسن الأساسي، إلى جانب ولعه بموسيقى اللغة وإيقاع الكلمات، وكراهيته للعبارات الجاهزة التي ظل دائماً يتحاشاها، مثلما يتحاشى سيرته الذاتية؛ إذ قلما نلمح أطيافها في ثنايا أعماله، يقول: «إن الفن يكمن في الحذف، يبقى الكاتب هاوياً، إن قال في جملتين ما يمكن قوله في جملة واحدة»، هذه الحساسية أفضت به إلى تنوع مدهش في الأساليب، وحيوية ونضارة، ورشاقة ودقة، فهو يرتب التفاصيل المنتقاة بحرص، حتى يبلغ تلك الحالة التي يغدو فيها الرعب منبعاً للمتعة.

كان الكاتب قد بعث بنسخة من روايته «دكتور جيكل ومستر هايد» إلى أحد أصدقائه، فاعتبرها «مثالاً في الأناقة وكنزاً قوطياً استخرج من منجم عميق». وفي إحدى رسائله يكتب: «منذ أربعة عشر عاماً لم أنعم يوماً بالعافية، أستيقظ كالمريض، ثم أخلد إلى فراشي منهكاً، أكتب في السرير، ورئتاي تتمزقان بالسعال، أكتب وجسدي واهن، ويستمر هذا العراك مريضاً كنت أو معافى، يا للسخف، وتستمر الكتابة، لقد خلقت لأجل هذا الصراع».

وفي شتاء 1885 كان ستيفنسن لا يستطيع الخروج من البيت، يعاني ضائقة مالية، لم يخرج منها إلا بعد وفاة والده، الذي ترك له ميراثاً كبيراً، وبحلول الليل كان يتقلب في سريره، وتدخل مخلوقات السحر الأسود إلى رأسه وهو نائم، وتتوالى الصور والتفاصيل، فتوقظه زوجته وقد أفزعتها صرخاته الكابوسية، فينهرها قائلاً: «لماذا أيقظتني؟ كنت أرى قصة رعب باهرة» لقد فوتت عليه إكمال ما يراه، وكان قد بلغ النقطة التي يتحول فيها دكتور جيكل للمرة الأولى إلى قرينه هايد.

في غضون ثلاثة أيام بسرعة خارقة، كتب ستيفنسن الرواية، وقرأ ما كتبه على زوجته، وتجادلا طويلاً، فدخل الكاتب إلى غرفته وأقفل الباب، ثم خرج مبتسماً بعد قليل، وعلى مرأى منهما رمى بالمخطوط إلى نار المدفأة، ولم تتمكن الزوجة من إنقاذ الأوراق التي احترقت، واعتزل الكاتب في غرفته ثلاثة أيام أخرى، مواصلاً الكتابة على سريره، يكتب في الضوء الكابي للنهار، وعلى ضوء الشموع في الليل.

لقد قلب الرواية رأساً على عقب، وابتكر صياغة أخرى مختلفة عن الأولى، وانكب على المسودة ليشذب ما أسماه «حماقات»، فقد كان مدققاً يعيد كتابة بعض نصوصه سبع أو ثماني مرات، وبعد أن انتهى من روايته كان ناحلاً بشكل لافت، ممتثلاً لنصيحة طبيبه بوجوب الامتناع عن قص شعره، وعدم الخروج إلى الحديقة ليلاً، حتى لا يصاب بنزلة برد، فقد ظل طوال شبابه معذباً بداء السل الذي اضطره للتنقل بين قارات العالم المختلفة بحثاً عن مناخ يلائم صحته المتدهورة.

كانت روايته «جزيرة الكنز» بداية شهرته في بريطانيا والولايات المتحدة، وأعقبتها سلسلة من روايات المغامرات: السهم الأسود، المخطوف، كاتريونا، ولم يستقر به المقام طويلاً في مكان. فبعد أن تخلى عن مزاولة مهنة المحاماة قرر التفرغ للأدب، وسافر إلى باريس وذهب إلى الولايات المتحدة عام 1877 وحلم بكتابة قصص عن البحر، واستقل قطارات الدرجة الثانية، حيث أفزعه المسافرون، وأدهشوه بقصصهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"