عمالة الأطفال

01:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

على الرغم من أن الأحداث الكبيرة والصراعات المسلحة التي شهدتها العديد من الدول العربية خلال العقد الماضي، بعد ما سمي ب«الربيع العربي»، تركت آثارها السلبية والمدمرة في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلم تنج شريحة اجتماعية من هذه الآثار الكارثية، إلا أنه يمكننا القول إن الأطفال كانوا الأكثر تضرراً من هذه الصراعات المسلحة، وبالتالي فإن ذلك يمثل الخسارة العربية الأكبر، باعتبار أن الأطفال يمثلون المخزون البشري الأهم بالنسبة إلى المستقبل.

 ومع أن المشكلات التي يواجهها الأطفال كثيرة ومتنوعة، إلا أن أبرز هذه المشكلات هي عمالة الأطفال التي يبدو أنها باتت ظاهرة في أكثر معظم البلدان التي طالتها الصراعات المسلحة، ذلك أن الكثير من العائلات التي تضررت بعد فقدان معيليها، أو بسبب ظروف هذه الصراعات التي أدت إلى تشريد الملايين، اضطرت لدفع أطفالها إلى العمل، بعد أن حرمتهم الحروب من مقاعد الدراسة، وقذفت بهم إلى المجهول.

 فعلى سبيل المثال، يمثل الأطفال 68% من مجموع اللاجئين السوريين الذين اضطروا لترك الدراسة، وأن الكثير من هؤلاء الأطفال يشتغلون في مختلف المناطق السورية، لاسيما حيث تكثر الورش الصناعية في مدينتي حلب، ودمشق. وفي أعمال مجهدة أحياناً، لا تتناسب وبنيتهم الجسدية.

 ورغم أن قضية عمالة الأطفال ليست بجديدة في المجتمع السوري، لكن الأزمة السورية المستعصية جعلتها مشهداً يومياً في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية. ووفقاً لتقرير «اليونيسيف» نشر مؤخراً، فإن «نصف الأطفال السوريين بلا مدارس»، إما لأنها تقع في مناطق اشتباكات، وإما تم تدميرها، وإما بسبب الهجرة، وإما تم تحويلها إلى مقارّ للجماعات الإرهابية.

 وما يقال عن أطفال سوريا، يقال أيضاً عن أطفال العراق، ويشير تقرير «لليونيسيف» نشر في عام 2019 إلى أن قرابة ال(7) ملايين ونصف المليون طفل، أي ما يعادل ثلث الأطفال في العراق، تركوا مقاعد الدراسة، ولجأوا إلى العمل في مهن شاقة، وقاسية. 

وتؤكد تقارير مفوضية حقوق الإنسان في العراق أن عمالة الأطفال بدأت بالازدياد بشكل كبير مع حلول صيف عام 2014 مع بدء معارك القوات العسكرية العراقية ضد تنظيم (داعش) الإرهابي، كما نلمس ظاهرة عمالة الأطفال في جميع الدول العربية التي تأثرت برياح ما سميّ «الربيع العربي»، وما يواجهه أطفال سوريا والعراق لا يختلف عما يواجهه أطفال اليمن أو ليبيا، في ظل استمرار الصراعات المسلحة.

 وتشير تقارير دولية إلى أن النزاعات والحروب على مدار العقد الماضي تزامنت مع زيادة عمل الأطفال بين الأطفال اللاجئين والمهجرين داخلياً، وغيرهم من السكان في جميع أنحاء المنطقة. وتوضح هذه التقارير أن آثار الصدمات الاقتصادية والاضطرابات السياسية والصراعات المسلحة، إضافة إلى تداعيات أزمة «كورونا» ساهمت في زيادة عدد الأطفال العاملين.

 ويوضح تقرير أعده المجلس العربي للطفولة والتنمية، قبل نحو عامين، أن الكثير من الأطفال يجبرون على ممارسة أنواع جديدة من الأنشطة المرتبطة بحالات النزاع المسلح، مثل حمل السلاح وتهريب البضائع عبر الحدود، أو بين مناطق القتال، وجمع النفايات النفطية، وانهم يستدرجون بشكل متزايد إلى أسوأ أشكال عمل الأطفال ويتعرضون للاستغلال والاعتداء، وسوء المعاملة، وانتهاك الحقوق بشكل خطير ومقلق.

 تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية العمل الدولية وضعت حداً أدنى لسن العمل هو سن إتمام التعليم الإلزامي والذي اعتبرت انه لا يجوز أن يقل عن الخامسة عشرة، كما منعت تشغيل الأطفال حتى سن الثامنة عشرة في الأعمال التي يحتمل أن تعرض للخطر صحة، أو سلامة، أو أخلاق الأحداث، بسبب طبيعتها أو الظروف التي تؤدى فيها. وأوجبت على الدول المصادقة على الاتفاقية أن تتعهد باتباع سياسة وطنية ترمي للقضاء فعلياً على عمل الأطفال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"