القدس في الصراع

00:23 صباحا
قراءة 3 دقائق

الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية، بما تخللها من عنف دامٍ، سعت العديد من الأطراف العربية والإقليمية والدولية إلى وضع حد له من خلال الاتفاق على وقف لإطلاق النار، أعادت قضية القدس، بل القضية الفلسطينية برمتها إلى واجهة الحدث العالمي، بما تحمله من مخاطر ليس على المنطقة وحسب، وإنما على الأمن والسلم الدوليين؛ لما تمثله هذه المدينة المقدسة من رمزية وقداسة لدى الديانات السماوية الثلاث، ناهيك عن أن القسم الشرقي منها، والذي احتل في العام 1967، يمثل العاصمة المقبلة للدولة الفلسطينية، كما كان مأمولاً في إطار اتفاقيات أوسلو، وما تلاها من مفاوضات عسيرة، ومتعثرة، لم تصل إلى نتيجتها المرجوة في تحقيق السلام العادل، الذي لابد منه إذا ما أريد الاستقرار والأمن لمنطقة الشرق الأوسط كلها.
 وعلى الرغم من سقوط الكثير من الضحايا والجرحى، في خضمّ ما شهده حي الشيخ جراح، وما تلاه من صراع عسكري بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، على الرغم من الدماء التي سالت، إلا أن ما جرى ويجري شكل منعطفاً مهماً، تجلى في رفض الإجراءات الإسرائيلية وإدانتها بأشد العبارات من قبل معظم الدول العربية والإسلامية؛ حيث أعربت المملكة العربية السعودية عن إدانتها للاعتداءات السافرة التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي، لحرمة المسجد الأقصى الشريف، ولأمن وسلامة المصلين، داعية المجتمع الدولي لتحميل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية هذا التصعيد، وضرورة وقفه الفوري لأعماله التصعيدية، التي تخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية. كما أعربت الإمارات العربية المتحدة عن إدانتها لاقتحام المسجد الأقصى وإخلائه من المصلين، وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم في حي الشيخ جراح في القدس، ودعت إسرائيل إلى خفض التصعيد في المدينة المقدسة، مؤكدة على «ضرورة تحمُل السلطات الإسرائيلية لمسؤوليتها وفق قواعد القانون الدولي».
 وأعرب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عن قلقه إزاء أحداث العنف التي تشهدها القدس الشرقية المحتلة، مما أسفر عن إصابة عدد من المدنيين الأبرياء، مؤكداً إدانته جميع أشكال العنف والكراهية التي تتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية، وأهمية إنهاء الاعتداءات والممارسات التي تؤدي إلى استمرار حالة من التوتر والاحتقان في المدينة المقدسة، ووقف أي ممارسات تنتهك حرمة المسجد الأقصى المبارك.
 ونفس الموقف اتخذته مصر كبرى الدول العربية، التي أعربت وزارة خارجيتها عن بالغ إدانتها واستنكارها لاقتحام القوات الإسرائيلية المسجد الأقصى المبارك، والاعتداء على المقدسيين والمصلين، مشددة على ضرورة الحفاظ على الهوية التاريخية للقدس المحتلة، والتهدئة وممارسة أقصى درجات ضبط النفس؛ لتجنب انجراف المنطقة إلى مستويات جديدة من عدم الاستقرار وتهديد السلم في المنطقة، فيما دان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الإجراءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، مؤكداً ضرورة وضع حد للانتهاكات والاستفزازات الخطِرة التي يتعرض لها المقدسيون، وذلك في اتصال هاتفي مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مؤكداً رفض الأردن لكل الإجراءات التي تستهدف تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس.
 لكن ورغم هذه المواقف الإيجابية من قضية القدس إلا أن ما يلفت النظر هو التحول الملحوظ في الموقف الأمريكي؛ حيث أكد الرئيس جو بايدن ضرورة حل الدولتين، كما دعا وزير خارجيته أنتوني بلينكن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى خفض التصعيد، وأهمية الحفاظ على الوضع التاريخي الراهن في الأماكن المقدسة، مصراً على أن قضية القدس لم تحسم بعد، الأمر الذي ينظر إليه المراقبون على أنه تغير ولو طفيف في موقف الإدارة الأمريكية الجديدة، رغم تكرار التزامها بالوقوف إلى جانب إسرائيل.
 والحقيقة التي لا يمكن إنكارها هنا هي أن قضية القدس والأحداث التي شهدتها استطاعت أن تعيد شيئاً من القوة للمواقف العربية، وأنها استطاعت من جديد كما هو الحال دائماً جمع هذه المواقف، بشكل من شأنه تعزيز الحقوق الفلسطينية، بما يخدم قضية السعي من أجل حل عادل وشامل للصراع بالمنطقة، لا سيما أنه من غير الممكن لعملية السلام أن تمضي قدماً ما لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"