تحولات نظرية الأمن الإسرائيلي

00:47 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

قبل الولوج لتحليل العلاقة بين غزة والأمن القومي الإسرائيلي وأين تقع غزة من هذا الأمن، ابتداءً لا بد من التأكيد على أن الحروب الأربع التي استهدفت غزه تؤكد لنا فرضية أن الحرب هي الأساس والقاعدة في العلاقة، وأننا قد نرى حرباً خامسة وسادسة في غياب تسوية سياسية شاملة. 

والفرضية الثانية أن التهدئة ليست الخيار الذي يمنع الحرب، والفرضية الثالثة أن إسرائيل لن تسمح بتجاوز حدود القوة العسكرية للفصائل، لأن هذه القوة تشكل من منظورها تهديداً مباشراً لها، وهذا يقودنا للفرضية الرابعة والرئيسية وهي أن خطورة عامل القوة في غزة ليس بحجمها ولا بمداها ولكنها تشكل تهديداً داخلياً، أي أن غزة وبحكم وقوعها في قلب الدائرة الأولى للأمن الإسرائيلي؛ فهذا يعني أن أي سلاح حتى لوكان تقليدياً يشكل مصدر قلق وتهديد، وهذه الفرضية تجعل من الحرب أساس العلاقة.

 ثم إن غزة وكل فلسطين تقع في قلب الدائرة الأولى لأمن إسرائيل، وهذا ما يفسر لنا رفض إسرائيل قيام الدولة الفلسطينية مهما كانت الضمانات بسلميّتها وديمقراطيتها. ففكرة الدولة نقيض لأمن إسرائيل. وهذا ينطبق على منطقة القلب التي تمثلها الضفة الغربية.

 أما غزة ورغم صغر مساحتها التي لا تزيد على 340 كيلومتراً مربعاً، وفقدانها للخصائص الجيوسياسية فهي تفتقر لمناطق القلب والعمق الاستراتيجي مما يسهل وصول القوة العسكرية الإسرائيلية، وخصوصاً الجوية، لأي مكان فيها، وهذا ما يقف وراء حجم التدمير للبنية التحتية فوق الأرض وتحتها. وما يميز غزه محددها السكاني، فعدد سكانها يزيد على المليونين، وهذا يعني أنها أكثر منطقة كثافة سكانية في العالم، وهنا تكمن قوتها الحقيقية، وتستمد أهميتها بتواجد الفصائل المسلحة، وهو ما يجعل منها مصدر تهديد دائم لإسرائيل خصوصاً مع تجاوز الصواريخ ما تعرف بغلاف غزة، وهو ما يجعل سلاح الفصائل فعالاً ومؤثراً.

 إن نظرية الأمن الإسرائيلي لا تنطبق عليها المفاهيم التقليدية للأمن القومي المتمثلة في البقاء وحماية مصالح الدولة ومواجهة التهديدات الخارجية. إسرائيل وبحكم قيامها على أساس عنصر القوة وعلى حساب الفلسطينيين الذين شردوا من مدنهم وقراهم ويعيشون الآن في الشتات والمخيمات، تعتبر التهديد صفة دائمة لوجودها. فرغم الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة وتوقيع اتفاقات أوسلو لكن بقيت الاعتبارات الأمنية هي التي تحكم العلاقة. فالجنرال الإسرائيلي يسرائيل طالفي فى كتابه «الأمن القومي- قلة مقابل كثرة» يعرّف الأمن «بضمان وجود الأمة والدفاع عن مصالحها».

 أما الجنرال يهو شفاط في كتابه «حرب واستراتيجية» فإنه يتبنى مفهوماً أكثر شمولية بقوله: إن الأمن هو «الدفاع عن وجود الدولة واستقلالها وكمالها الإقليمي والدفاع عن حياة مواطنيها وعن طبيعة نظام الحكم فيها وعن أمنها الداخلي والأمن اليومي على حدودها وعن أيديولوجيتها وعن ميزانها الديموغرافي وعن مكانتها في العالم». وشيمون بيريز في كتابه «الشرق الأوسط» فيرى «أن موضوع الأمن لا يمكن اعتباره قابلاً للنقاش أمام رئيس أي حكومة إسرائيلية..إنه موضوع حياة أو موت بالنسبة لنا جميعاً».

 وعليه، فالأمن بالنسبة لإسرائيل ليس مسالة وجودها، بل هي مسألة حياة أو موت، وهذا ينطبق على حربها ضد غزة. فأمن إسرائيل لا يحتمل سقوط عدد كبير من القتلى، وينطبق هذا القول أيضاً على الأسرى من جنودها حتى لو كان جندياً واحداً. وتحكم علاقتها مبادئ الضربة الاستباقية لأية قوة تراها تشكل خطراً على أمنها. وهذا المبدأ يبرر لها الحرب في أي وقت. 

والجديد في الحرب الأخيرة، هو انكشاف الكثير من نقاط الضعف، فرغم كثافة الدمار الذي لحق بغزة، إلا أن الفصائل استطاعت نقل المعركة إلى داخل إسرائيل، وإيقاع خسائر في الداخل، ثم سقوط فرضية الردع الإسرائيلية، وأيضاً تراجع مكانة إسرائيل دولياً وبداية الانتقاد الدولي لها.. وعليه، فإن الحرب الأخيرة ستجبر إسرائيل على مراجعة الكثير من فرضيات أمنها القومي، وستبقى غزة تشكل إحدى أهم معضلات أمنها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"