حرب بالواسطة

00:32 صباحا
قراءة دقيقتين

من الواضح أن معركة كسر العظم باتت على أشدها في العراق، إذ أصبحت ساحاته مسرحاً لصراع الإرادات بين دول إقليمية وعالمية. فهذا البلد الذي يعاني أزمات سياسية وأمنية عميقة، وعجزاً حكومياً في إدارة الكثير من الملفات، فتح الساحة أمام فصائل تنفذ أجندات إقليمية من خلال خوض معارك مع الوجود الأجنبي في البلاد، والذي هو أيضاً بدوره يهمش سيادة العراق، عبر الرد بعمليات استهداف جوية لمواقع هذه الفصائل في البلاد. 
 مؤخراً، تكثفت عمليات استهداف المصالح الأمريكية في العراق، عبر قصف سفارتها وقنصليتها وقواعدها العسكرية في بغداد أربيل وفي معظم البلاد، بل وانتقلت إلى سوريا المجاورة، عبر الصواريخ والطائرات المسيّرة المفخخة، حتى بلغت عمليات الاستهداف للوجود الأمريكي منذ بداية العام 50، تسببت بخسائر مادية وبشرية، وآخرها هجوم بثلاثة صواريخ على السفارة الأمريكية في بغداد، وتحليق الدرون فوقها، إضافة إلى استهداف قاعدة «عين الأسد» نهاراً ب14 صاروخاً.
 بعض الفصائل العراقية التي تعمل على تنفيذ أجندات إقليمية في المنطقة كما أشارت واشنطن، كثفت استهدافها مؤخراً للوجود الأمريكي، بهدف الضغط على واشنطن، خاصة مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، الذي حمل في جعبته خططاً تهدف إلى المحافظة على ديمومة المصالح الأمريكية بالمنطقة، وفي الوقت ذاته فإنها كانت منفتحة على صياغة اتفاق نووي جديد مع إيران. فهجمات الفصائل العراقية تصاعدت في وقتٍ تعثرت فيه مفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، ورفع العقوبات عن طهران. 
هذه الهجمات ربما هي بمثابة أوراق ضغط تستخدمها إيران من بوابة هذه الفصائل لإجبار أمريكا على القبول بشروطها، أو الحد الأدنى منها، وفوق هذا فإن هناك صراعاً جيوسياسياً لا يمكن إغفاله، فإيران ترى في الوجود الأمريكي وإن كان قليل العدد (2500 عسكري) تهديداً لنفوذها، ومصالحها، في محاولة أيضاً - إضافة إلى جانب تحسين شروط الاتفاق النووي- إلى إخراج القوات الأمريكية على المدى البعيد، في ظل التوجه السياسي الأمريكي العام للخروج من المنطقة، والذي بدأ بالانسحاب من أفغانستان، وتقليص عدد القوات في سوريا والعراق. 
 وبالطبع فإن الميليشيات العراقية تستند في أفعالها إلى وهن حكومي أولاً، حيث إن حكومة الكاظمي ما زالت تواجه صعوبة في تحجيم تحركات الميليشيات سواء بوضع حد لها لمنع استهداف المتظاهرين والمعارضين أو بكف يدها عن استهداف الوجود الأجنبي، كما تستند إلى قرار مجلس النواب العراقي الذي صدر في يناير/كانون الثاني عام 2020”، الذي يطالب بخروج القوات الأجنبية في البلاد.
 الأوضاع في العراق تتجه من فشل إلى آخر، في ظل تعدد القوى الإقليمية والدولية اللاعبة فيه. لذا فإن استقراره مرهون، باتخاذ السلطات قرارات حاسمة، تبدأ بتنظيم صفوفها وبناء قوى وطنية لا تتبع إلا للدولة فقط، ثم تقليم أظافر الميليشيات، وردع التدخلات الخارجية، والقضاء على الفساد، وإلا فإن بلاد الرافدين ستبقى تتجه من قاع إلى آخر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"