الثورة الرقمية في كوبا

ابتكار المواطن وسياسة الدولة
22:00 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 7 دقائق
1
1

عن المؤلف

الصورة
1
تيد أ. هينكن وسارة غارسيا سانتاماريا
* تيد أ. هينكن، أستاذ مشارك في علم الاجتماع ودراسات أمريكا اللاتينية في كلية باروخ، (جامعة مدينة نيويورك)، وهو مؤلف ومشارك في تأليف عدد من الكتب عن كوبا.
** سارة غارسيا سانتاماريا، أستاذة مشاركة في الاتصال العالمي في جامعة رامون لول (برشلونة) وهي محررة مشاركة في وسائل الإعلام والحوكمة في أمريكا اللاتينية.

هيمن الحزب الشيوعي على السياسة والإعلام ومفاصل الدولة الكوبية كافة في عام 1959، فأصبحت الحياة بتفاصيلها كافة تعكس نبض المشروع الثوري لفيديل كاسترو ورفاقه، إلا أنه يبدو أن التكنولوجيا فجّرت ثورة أخرى في الداخل الكوبي، وأعادت رسم المشروع السياسي والثقافي والاقتصادي الذي يمثل الثورة الكوبية بطريقة غير مسبوقة.

فرض الحزب الشيوعي الكوبي إثر انتصار الثورة الكوبية احتكاراً على كل من السياسة والإعلام. ومع ذلك، مع الانتشار العالمي اللاحق لتقنيات المعلومات والاتصالات الجديدة، أصبح المواطنون الكوبيون مشاركين نشطين في الثورة الرقمية العالمية. على الرغم من أن الإنترنت في كوبا بقي لفترة طويلة تحت الرقابة، وبتكاليف مرتفعة وسرعات بطيئة، ومحدودية الوصول، فإن هذا العمل الذي بين أيدينا يرى أنه منذ عام 2013، أسهمت التطورات التكنولوجية في إعادة صياغة الحقول الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المشروع الثوري.

 مع استمرار كوبا في توسيع نطاق الوصول إلى الإنترنت ومع تحدي المواطنين لسياسات الدولة بشأن سرعة هذا الوصول واتساعه وحريته، تقدم الثورة الرقمية في كوبا نموذجاً بارزاً لتأثير التكنولوجيا في الدول الاستبدادية والديمقراطيات الانتقالية. وما هو واضح أن شوارع كوبا قد لا تزال تنتمي إلى ثورة كاسترو، إلا أن هذا العمل يرى بأنه لا يزال من غير الواضح لمن ينتمي الفضاء الإلكتروني الكوبي.

 التكنولوجيا تفكّك المشروع الثوري

 يقول مؤلفا ومحررا الكتاب: «نموذج الدولة الاشتراكية الذي تأسس رسمياً في كوبا عام 1961، بعد عامين من الانتصار الثوري عام 1959، منح الحزب الشيوعي احتكاراً واضحاً للسياسة ووسائل الإعلام. بحلول الوقت الذي تم فيه تأسيس الحزب الشيوعي الكوبي رسمياً في عام 1965، تم تأميم جميع وسائل الإعلام الموجودة مسبقاً أو إغلاقها. في وقت لاحق، استخدمت الحكومة الكوبية هيمنتها الإعلامية لإضفاء الطابع الاجتماعي على المواطنين في رؤيتها «لمجتمع ثوري». وقد حول هذا الجهد جميع القنوات الإعلامية إلى دعاية حكومية بدءاً من «جرانما»؛ الصحيفة الكوبية اليومية الوطنية التي تعلن صراحة أنها الناطق الرسمي ل«اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي»، ومع ذلك، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 وما تلاه من انتشار عالمي لتقنيات المعلومات والاتصالات الجديدة في السنوات الثلاثين اللاحقة، تآكلت الهيمنة الإعلامية للحكومة الكوبية تدريجياً، وأصبح المواطنون الكوبيون - الذين يعملون بشكل مستقل عن الحكومة، إن لم يكونوا دائماً في معارضة للحكومة - مشاركين نشطين بشكل متزايد في الثورة الرقمية العالمية، ما أعاد تشكيل المشهد الإعلامي الكوبي في هذه العملية».

ويضيفان: «اندلعت هذه الثورة المعلوماتية والتواصلية والتكنولوجية الثانية - وهي ظاهرة نسميها الثورة الرقمية في كوبا - داخل الثورة الكوبية، ما أدى إلى صراع ديناميكي وغير متوقع حول معنى وتأثير ونطاق واتجاه الثورتين. في الواقع، أضفت الثورة الرقمية العالمية الطابع الديمقراطي على الاتصالات، ووسعت من هامش الحرية في كوبا في السنوات الأخيرة. بالطبع، لن يتفق الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل والصحفية الرقمية المستقلة الرائدة يواني سانشيز على اتجاه هذا التغيير أو الاستخدامات التي يجب أن توضع فيها تقنيات الوسائط الجديدة هذه».

 يطرح المؤلفان أسئلة عديدة في العمل؛ منها: من سيتحكم بالثورة الرقمية في كوبا؟ من الذي سيستفيد منها؟ لأي غايات سيتم تطبيقها؟ من سيتخلف عن الركب؟ هل ستعيد التكنولوجيا الرقمية صنع الثورة الكوبية أو ربما تعيد مزجها كما يتجلى في هدف الحكومة في حوسبة سياسة المجتمع والآلات؟ أم أن العديد من التطورات الرقمية المتنوعة التي تتكشف حالياً في كوبا والتي نذكرها هنا تسهم في شيء أقرب إلى «إلغاء» أو «قلب» الثورة؟

 يسعى هذا الكتاب إلى الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة ذات الصلة من خلال مجموعة متنوعة من الكتّاب والخبراء العالميين، وإبراز دراساتهم التي تحلل بشكل نقدي الطرق العديدة والمتناقضة في بعض الأحيان للكوبيين الذين يستخدمون تقنيات وسائل الإعلام الجديدة لتغيير المجتمع الكوبي من الداخل.

 تحولات مختلفة

 تغطي المقالات الموجودة في هذا الكتاب (الصادر باللغة الإنجليزية عن مطبعة جامعة فلوريدا في يونيو/ حزيران 2021 في 348 صفحة) التحولات المختلفة في هذه الثورة الرقمية الجديدة، وتعاين كل من الوصول المدفوع إلى الشبكة العامة والحلول الإبداعية التي صممها الكوبيون لإنتاج المحتوى الرقمي وتوزيعه والوصول إليه بشكل مستقل. يتتبع المساهمون كيفية تطور المشاريع الإعلامية وريادة الأعمال والتسويق عبر الإنترنت والصحافة والمجالات الإلكترونية الثقافية في الجزيرة الكوبية إلى جانب التغيرات التكنولوجية والجيوسياسية العالمية. ينقسم هذا العمل إلى خمسة أقسام مترابطة، يركز كل قسم على جانب معين من الثورة الرقمية في كوبا وتأثيرها السياسي والديمقراطي على الحياة الكوبية.

 يتناول الفصل الأول بقلم لاري برس تطور الإنترنت وسياسة الاتصالات السلكية واللاسلكية في كوبا من أوائل التسعينات حتى الوقت الحاضر مع التركيز على المعضلات الخاصة التي تواجهها كوبا في عصر رقمي متزايد؛ حيث تراجعت أكثر فأكثر إلى الوراء؛ على الرغم من سياستها المعلنة المتمثلة في «حوسبة المجتمع».

 ويتبع ذلك الفصل الذي كتبه ليما سارمينتو إديل الذي يعيد سرد الدور الذي لعبته وسائل الإعلام «البديلة» و«المعارضة» في التاريخ الكوبي بدءاً من أواخر القرن التاسع عشر، عندما سعى المتمردون الكوبيون إلى الاستقلال عن إسبانيا. واستمرت خلال الحقبة الجمهورية عندما لعبت الصحافة السرية دوراً رئيسياً في تقويض سلطة وشرعية سلسلة من الحكام الكوبيين غير الديمقراطيين. ثم يطبق ليما دروساً من العصور الماضية كطريقة لفهم ظهور ظلال مختلفة من وسائل الإعلام المستقلة في كوبا خلال آخر 25 عاماً.

 على الرغم من أن جميع فصول الكتاب تتعامل بشكل غير مباشر على الأقل مع القسم الداخلي لتقنيات وسائل الإعلام الجديدة والسياسة، فإن الفصول الأربعة التي تشكل القسم الثاني تركز بشكل صريح على الآثار السياسية للثورة الرقمية على الثورة الكوبية. ويتضمن فصلاً بقلم أولغا خروستاليفا يبحث في التوترات الناشئة بين سلطة الدولة والمجتمع المدني في العصر الرقمي في سياق ذوبان الجليد التاريخي في علاقات كوبا والولايات المتحدة. ويعاين الفصل الرابع الذي شارك في تأليفه أليكسل باديلا هيريرا وإيلوي فيرا كانيف، كيف أن النطاق الرقمي العام الناشئ الذي تمثله وسائل الإعلام المستقلة المتنوعة عبر الإنترنت قد تحدى بشكل مباشر المفهوم اللينيني للحزب الشيوعي الكوبي لدور الإعلام في المجتمع الثوري.

 في الفصل الخامس، تناول كارلوس مانويل رودريغيز أريكافاليتا العلاقة المتوترة بين وسائل الإعلام الكوبية والدولة الاشتراكية (الصحافة والحزب)؛ نظراً للتهديد المتقطع/المتكرر بتغيير النظام من الولايات المتحدة. يتناول هذا الفصل على وجه التحديد الصحافة المستقلة الجديدة على الإنترنت في كوبا، والتي يرتبط ظهورها بالتخلي عن قواعد المهنة لمصلحة نموذج الصحافة الاشتراكية الأيديولوجي، والتوسع الأخير في الوصول إلى الإنترنت في كوبا، واستراتيجيات الدولة المستمرة للتحكم في المعلومات والمراقبة.

 يركز الفصل السادس من هذا القسم على السياسة بقلم ماري لور جيفراي. تقدم الكاتبة فيه انعكاساً نظرياً على الاستخدامات المتنافسة المختلفة للوسائط الرقمية في كوبا لفهم أفضل لكيفية ربط الاستخدامات الحساسة للتكنولوجيا الرقمية في ظل الحكم الاستبدادي، مع مزيد من الاستخدامات الروتينية. وكيف أن النقد، بدلاً من تعريفه مسبقاً وفهمه حصرياً في مقابل قصده السياسي أو غير السياسي، يتشكل في الواقع من خلال السياق المعقد والمتناقض غالباً.

 صراع إعلامي في كوبا

 تركز الفصول الأربعة التي تشكل القسم الثالث بشكل مباشر على الصراع الحالي من أجل القرّاء والشرعية في كوبا بين الصحافة الحكومية (الرسمية) والصحافة الرقمية المستقلة المتمردة. في الفصل الأول الذي كتبه تيد أ. هينكن، وهو عبارة عن تحليل للتحولات الرئيسية في مهنة الإعلام التي استمرت خمسة عشر عاماً (2004- 2019) للمدونة الشهيرة والصحفية المستقلة يواني سانشيز التي انتقلت إلى الاحتفاء بالدور الفريد الذي يلعبه «الصحفيون المواطنون» مثلها في فتح بيئة إعلامية كانت محتكرة سابقاً، لإطلاق جريدتها الرقمية اليومية الخاصة (14ymedio) في مايو/ أيار 2014. وفي الفصل الثاني بقلم سارة غارسيا سانتاماريا تقدم دراسة مبتكرة لكيفية إدارة الصحفيين الكوبيين الشباب للضغوط اليومية والمضايقات في الإعلام الحكومي. يركز تحليلها على وجه التحديد على دور الخيال الجماعي في الهروب من الاضطهاد وتأخير القطيعة النهائية مع النظام. ومع ذلك، تجادل غارسيا بأن تخيل نظام أفضل كان ضرورياً أيضاً لتصور معالم حقل الإعلام المستقل حتى قبل وجوده.

 وعلى غرار ذلك، يستند الفصل الثالث الذي كتبته آن ناتفيج إلى مقابلات أجريت مع صحفيين يعملون في القطاع الحكومي، ويركز على كيفية عملهم والدفاع عن استقلاليتهم المهنية ضمن الإطار الصارم لما يعرّفه الحزب الشيوعي الكوبي على أنه معلومات عامة مناسبة. أما الفصل الرابع الذي شارك في تأليفه أبيل سوموهانو فيرنانديز وميريا ماركيز-راميزر فهو دراسة حالة تقارن بشكل نقدي كيف يتم افتتاح مشروعين إعلاميين رقميين بارزين بشكل متزايد ومستقل، وهما: (El Estormado) و(Periodismo de Barrio)، وكيف أنهما يساعدان على إضفاء الطابع الديمقراطي على المشهد الإعلامي الكوبي، ولكن بطرق مختلفة بشكل كبير.

 كوبا ما بعد الاشتراكية

 يبحث القسم الرابع من الكتاب في الطرق المتعددة التي سعى بها الكوبيون إلى استثمار اتصالهم المتزايد بالإنترنت على وجه التحديد. يؤرخ الفصل الأول منه بقلم ريبيكا أوغدن جهود التسويق عبر الإنترنت؛ لتعزيز السفر السياحي إلى كوبا كوجهة منعشة (ومن المفارقة) «غير متصلة بالإنترنت». يجادل الفصل بأن كلاً من وزارة السياحة الكوبية والوكالات الأجنبية الخاصة تستخدم الفيديو الرقمي؛ لتسليط الضوء على أصالة الجزيرة غير المتصلة بالإنترنت والعودة إلى الملذات الحسية؛ باعتبارها الميزة النسبية الرئيسية لكوبا. يصف الفصل الثاني من تأليف جينيفر سيرنز كيف أن جيلاً ناشئاً من جيل الألفية في كوبا أصبحوا رواد أعمال رقميين، ويطلقون أعمالاً تعتمد على وصولهم الجديد إلى وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت في هافانا. كما يقدم الفصل الثالث الذي كتبه سيرنز اختبارات مفيدة ومبتكرة عن الأشخاص المعروفين جيداً.

 ويسلط القسم الأخير من الكتاب الضوء على الطرق العديدة وغير المتوقعة في كثير من الأحيان التي تغير صورة الثقافة والمجتمع والهوية وحتى المواطنة الكوبية من خلال التوافر المتزايد للتكنولوجيا الرقمية، بما في ذلك التغيّر في النشر الأدبي والموسيقى الرقمية وإنتاج الفيديو. في الفصل الأول من هذا القسم، يقدم والفريدو دورتا لمحة عن مجموعة من الكتّاب والفنانين الكوبيين الشباب الذين نشروا سلسلة من المجلات الرقمية الأدبية المستقلة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت مقدمة لانفجار عالم التدوين الخاص بكوبا بين عامي 2007 و2014 والنطاق الإعلامي الرقمي المستقل الذي أعقب ذلك. في الفصل الثاني تحلل بالوما دونغ مختلف «الوسائط الإعلامية ما بعد الاشتراكية» المتنافسة التي أنتجها الكوبيون أنفسهم في الجزيرة على عكس تلك التي أنشأتها وسائل الإعلام الرسمية الحكومية. تفكك دونغ مجموعة متنوعة من الصور التي أنتجتها بحسب وصفها «امرأة الموضة» الكوبية ما بعد الاشتراكية، ولا تحقق في الصور نفسها فحسب؛ بل تحقق أيضاً في السياقات الاجتماعية والإعلامية التي يتم إنتاجها واستهلاكها فيها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم

كتب مشابهة

1
زاندر دنلاب
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
بوتين وشي جين بينغ
ريتشارد ساكوا

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث
1
باسكال بيانشيني وندونجو سامبا سيلا وليو زيليج
1
هاين دي هاس