عادي

القمة العربية بين الانعقاد والتأجيل

00:52 صباحا
قراءة 4 دقائق
3542

د. محمد عزالعرب *

تصاعد الجدل في الأسابيع القليلة الماضية بشأن انعقاد القمة العربية الدورية السنوية في الجزائر أو احتمال تأجيلها لموعد لاحق مثلما حدث في العامين الماضيين. وتعتبر هذه القمة هي الرابعة من نوعها التي تستضيفها الجزائر، حيث احتضنتها لأول مرة في عام 1973، ثم عام 1988 وأخيراً عام 2005 وهي القمة التي تزامنت مع الذكرى ال60 لتأسيس الجامعة.

هناك اتجاه يرى ضرورة عقد القمة العربية في الجزائر، سواء في مارس/ آذار المقبل أو بعد انتهاء شهر رمضان، على نحو ما عكسته جملة من المؤشرات منها زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى القاهرة ولقاؤه بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط في 17 يناير/كانون الثاني الماضي، حيث تم التباحث بشأن «الحالة في المنطقة العربية، مع التركيز على الأوضاع في مناطق الأزمات والتحديات بها»، وهو ما يرتبط بالاستعداد الجزائري لعقد القمة العربية، وفقاً لما أعلن حينذاك في عدد من وسائل الإعلام. وقد صرح لعمامرة أن ما يتم تداوله بشأن تأجيل القمة العربية «مغالطات».

كما أثير حينذاك أن وفداً من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية سيقوم بزيارة الجزائر للقاء ممثلي اللجنة الوطنية الجزائرية المكلفة بالإشراف على التحضيرات اللوجيستية لعقد القمة، وذلك من أجل ضمان نجاح القمة، وتيسير مشاركة وفود جميع الدول الأعضاء على أعلى المستويات. هذا فضلاً عن زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى القاهرة في يومي 24 و25 يناير/ كانون الثاني الفائت ولقائه بالرئيس السيسي والتباحث المحتمل بشأن القمة العربية المقبلة، وزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الإمارات بعدها بيومين مباشرة ولقائه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي نائب القائد العام للقوات المسلحة، حيث تناقشا في موضوعات شتى وقد يكون منها ترتيبات القمة العربية المقبلة والتصدي للميلشيات المسلحة.

دواعي القمة

يستند الخيار الداعي لانعقاد القمة إلى جملة من المحددات، وهي:

1- مسعى الدول العربية لترتيب شؤونها: يعد أحد المحركات الأساسية لعقد القمة العربية بالجزائر هو إدراك الدول العربية الرئيسية مثل مصر والسعودية والإمارات والأردن والجزائر لضرورة التحرك للنقاش حول القضايا التي ترتبط بالعمل العربي المشترك، لاسيما بعد الخروج الأمريكي المتدرج من الإقليم على نحو عكسه الانسحاب من أفغانستان والعراق، ومحاولات بعض القوى الإقليمية تسويق خطابات وتحركات التهدئة إزاء دول الجوار العربي مثل تركيا.

2- تنقية الأجواء العربية البينية: قد تكون القمة العربية بمثابة نافذة فرصة لبعض الدول العربية لفرملة التوتر الحادث في علاقاتها الثنائية، ومحاولة تدشين مرحلة جديدة قائمة على استعادة الثقة وتشكيل مصالح مشتركة على أساس المخاطر الأمنية والروابط الاقتصادية، أو على الأقل الإبقاء لتلك الخلافات عند حالها بما يحول دون تفاقمها.

3 - توافر نافذة فرصة لإصلاح الجامعة العربية: تظل هناك نوايا متعددة لإصلاح مؤسسة الجامعة العربية، غير أن التحدي في بلورة آليات لتجديد الدور، وفقاً للمنهج الوظيفي السائد في أدبيات التكامل الإقليمي، لأن الجامعة العربية هي مرآة عاكسة للدول العربية. وفي هذا السياق، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال كلمة ألقاها أثناء افتتاح أول ندوة لرؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية في قصر الأمم بتاريخ 10 نوفمبر الماضي، إن انعقاد القمة العربية القادمة في بلاده «فرصة لإصلاح الجامعة» بما يتماشى ورؤيتنا للعمل العربي المشترك.

دوافع التأجيل

على الجانب الآخر، هناك اتجاه يرى احتمال تأجيل القمة دون تحديد موعد زمني لها، لاعتبارات عديدة تتمثل في:

1- تزايد انتشار جائحة كورونا: قد يكون أحد الدوافع الرئيسية لتأجيل عقد القمة العربية هو تفادي تداعيات الجائحة في ظل دخول معظم الدول العربية الموجة الخامسة منها. وفي هذا السياق، قال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي في تصريحات متلفزة لوسائل الإعلام بتاريخ 22 يناير الفائت «إنه بالتشاور مع دولة الاستضافة، وهي الجزائر، كان لديهم تفضيل أيضاً، لتأجيل القمة، لأن هذه الفترة تشهد ارتباكاً بسبب وضع كورونا». وفي حال حدوث تأجيل للقمة، تكون هذه هي المرة الثالثة التي تشهد تأجيلاً، إذ عقدت آخر قمة عربية في 31 مارس 2019 بتونس.

2- وجود خلافات بينية عربية: على الرغم من النفي الرسمي من الأمانة العامة لوجود خلافات ذات أبعاد سياسية تحول دون عقد القمة العربية في موعدها إلا أن ذلك يتنافى مع التوتر الذي يسود العلاقات بين بعض الدول العربية، مثلما هو الحال بين المغرب والجزائر لاسيما أن الأخيرة هي دولة الاستضافة، مما يسبب إحراجاً لها في ظل العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين الدولتين بناء على قرار جزائري في أغسطس الماضي.

3- التباين بشأن عودة سوريا للجامعة العربية: تعد مسألة عودة سوريا إلى محيطها العربي إحدى القضايا الجوهرية المرتبطة بعقد القمة العربية. فعلى الرغم من التحول الذي طرأ على موقف دول عربية وخليجية بشأن سوريا، لا تزال هناك بعض الدول تتخذ موقفاً مناوئاً له، مثل قطر.

وفي مقابلة متلفزة عام 2020، قال تبون إن سوريا «تستحق العودة إلى جامعة الدول العربية، لأنها وفية لمبادئها، كما أنها مؤسسة لها، وهي من أعرق الدول العربية». وسبق أن تحدث وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في هذا الموضوع قائلاً إن «جلوس سوريا على مقعدها في الجامعة العربية سيكون خطوة متقدمة في عملية لمّ الشمل وتجاوز الصعوبات الداخلية»، وهو ما يجعلها مسألة جوهرية لدى بعض الدول العربية في حين لا تزال دول عربية أخرى متشبثة بموقفها.

حصيلة التفاعل

خلاصة القول، إن حصيلة التفاعل بين محركات الانعقاد ودواعي التأجيل هي التي ستحدد مصير القمة العربية المقبلة بالجزائر، والتي يرجح أن تعقد بالجزائر بغض النظر عن توقيتها الزمني في مارس/ آذار أو مايو/أيار المقبل، شريطة أن تكون هناك رؤى وروح جديدة للتعامل مع القضايا المطروحة على أجندة القمة العربية بحيث تناقش القضايا الأكثر إلحاحاً عودة سوريا إلى الجامعة العربية وعدم التطرق لكل الهموم العربية مثلما كان يحدث في فترات سابقة.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"