عادي

غموض مصير القمة العربية

22:46 مساء
قراءة 4 دقائق
محمد بن زايد / القمة العربية الطارئة / اجتماع
63332321

د. أحمد سيد أحمد *

فشلت جهود عقد القمة العربية في الجزائر في موعدها المقرر كل عام وهو شهر مارس/آذار، ولم يتم تحديد موعد رسمي لها؛ حيث من المقرر أن يجتمع وزراء الخارجية العرب خلال الشهر الحالي لتحديد موعد انعقادها، لكن الغموض لا يزال يكتنف مصيرها، على الرغم من الترجيحات بأن يتم عقدها في الربع الأخير من العام الحالي كما أشار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

تأجلت القمة العربية مرتين خلال عامي 2020 و2021 بسبب جائحة كورونا وغياب التوافق العربي حول العديد من القضايا الخلافية، لكن انعقاد هذه القمة والتي تأتى في توقيت مهم، يسوده الضبابية في ظل فشل الجهود العربية لعقدها في موعدها، وهذا يرجع لاستمرار الاختلافات والانقسامات العربية حول العديد من القضايا والملفات. وقد ألقت تلك الخلافات بظلالها على غياب البيئة اللازمة لعقد القمة وإنجاحها، فالأجواء العربية ملبدة بالغيوم ومملوءة بالسحب التي تعوق انعقاد القمة في موعدها في ظل استمرار الخلاف حول مسألة عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد أن ظل مقعدها شاغراً منذ 11 عاماً، فغالبية الدول العربية تؤيد مسألة عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، ويستند هذا الموقف لعدة اعتبارات منها أن استمرار غياب سوريا عن الجامعة من شأنه أن يعمق الانقسامات العربية، كما أنه لا يساعد على تحقيق الحل السياسي في سوريا، إضافة إلى أنه يضعف من الدور العربي في مساعدة سوريا وتعزيز وحدتها وسيادتها ويترك فراغاً كبيراً ملأته دول إقليمية تسعى لتحقيق مصالحها وأجنداتها في سوريا على حساب المصالح العربية ومصلحة الشعب السوري. وبالتالي، فإن عودة سوريا للجامعة تعزز عودتها إلى بيتها العربي وتعزز وجود دور عربي فاعل في مساعدة سوريا على تجاوز المرحلة الانتقالية ويسهم في الحفاظ على سيادتها واستقلالها ويوازن الأدوار الخارجية غير العربية.

ويرى الاتجاه الداعم لعودة سوريا أن تجميد عضوية سوريا في الجامعة كان حالة استثنائية على الرغم من أنه لم يتم تجميد عضويتها في المنظمات الأخرى خاصة الأمم المتحدة، وبالتالي ليس من المنطقي من الناحية القانونية استمرار تعليق عضويتها، إضافة إلى تغير الأوضاع على أرض الواقع بعد استعادة الدولة السورية لسيطرتها على معظم مناطق البلاد. وفي المقابل هناك بعض الدول التي تعارض عودة سوريا تحت حجة أنه لا بد من إجراء إصلاحات سياسية وحل سياسي أولاً قبل عودتها، لكن البعض يرى أن فرض المشروطية السياسية على عودة سوريا يمثل تدخلاً في شؤونها الداخلية، كما أن الدفع بأن عودة سوريا يحتاج إلى الإجماع، هو غير صحيح لأن تعليق عودة سوريا جاء بالأغلبية وليس بالإجماع.

وقد أكد الرئيس عبد المجيد تبون، أن القمة العربية القادمة يجب أن تكون جامعة وشاملة وبالتالي لن تنعقد من دون عودة سوريا، في رسالة إلى رغبة وإصرار الجزائر على إنجاح القمة العربية، التي ستستضيفها من خلال عودة سوريا وإنهاء أحد أبرز القضايا الخلافية العربية.

استمرار الانقسامات العربية

تخيم الانقسامات العربية العربية على أجواء عقد القمة أيضاً؛ حيث لا تزال هناك العديد من الاختلافات والانقسامات بين عدد من الدول العربية، مثل الانقسام الذي تفاقم بين المغرب والجزائر وتصاعد الاتهامات المتبادلة وأدى إلى قطع العلاقات بينهما، وهو ما يمثل عامل ضعف للوحدة والتضامن العربي. فالانقسامات والخلافات دائماً تضعف من العمل العربي المشترك، وعلى الرغم من المصالحة العربية مع قطر والتي أسهمت في تنقية الأجواء العربية، فإن وجود بعض الخلافات والانقسامات العربية الأخرى تمثل عائقاً أمام عقد القمة في موعدها.

كما أن قضية إصلاح الجامعة العربية لمواكبة التطورات والتحديات المختلفة يظل إحدى القضايا الخلافية، في ظل طرح الرئيس تبون لمسألة إصلاح الجامعة؛ حيث غاب الإصلاح منذ إنشاء الجامعة في عام 1945، وعلى الرغم من مشروعات الإصلاح العديدة، التي طرحت خلال السنوات الماضية، فإنها لم تلق النجاح؛ حيث إن عملية الإصلاح تتطلب توافر إرادة سياسية جماعية عربية للإصلاح لأن الجامعة هي مرآة للوضع العربي، الذي يعاني الانقسامات وغياب التوافق بين أعضائه.

وعلى الرغم من أن جائحة كورونا كانت أحد أسباب تأجيل القمة خلل العامين الماضيين، فإن الجائحة لا تمثل عائقاً أمام انعقاد القمة المقبلة في ظل رفع الكثير من الدول العربية قيود كورونا، إضافة إلى انعقاد العديد من القمم والمؤتمرات الدولية حضورياً مثل القمة الخليجية والقمة الإفريقية الأوروبية وغيرها.

تحديات تفرض عقد القمة

الوضع العربي العام يفرض ضرورة انعقاد القمة العربية في أقرب فرصة بكل أعضائها لبلورة موقف عربي موحد بشأن كيفية مواجهة التحديات المختلفة أمام العالم العربي وأبرزها استمرار بعض الأزمات والصراعات العربية، خاصة في سوريا واليمن وليبيا والسودان، وتتطلب دوراً عربياً فاعلاً في تسوية تلك الأزمات بما يحافظ على وحدة وسيادة تلك الدول ودعم الدولة الوطنية ومؤسساتها الشرعية. وكذلك مواجهة خطر الإرهاب والتنظيمات الإرهابية والفكر المتطرف. إضافة إلى مواجهة التدخلات الخارجية والإقليمية السلبية في شؤون الدول العربية، التي غذت عدم الاستقرار ودعم الميليشيات الإرهابية الحوثية في اليمن والتي استهدفت أمن الإمارات والسعودية بعمليات إرهابية. أيضاً بلورة موقف عربي من التطورات في النظام الدولي خاصة الصراع في أوكرانيا وتزايد حدة الاستقطاب والصراع بين روسيا من ناحية والولايات المتحدة وحلفائها من ناحية أخرى، وتداعيات هذا الصراع على منطقة الشرق الأوسط والدول العربية. كذلك مواجهة مشكلات الفقر والبطالة واستعادة الانتعاش الاقتصادي بعد تأثيرات جائحة كورونا، وتعزيز العمل العربي المشترك خاصة التعاون والتكامل الاقتصادي العربي وتحقيق التنمية.

إن كثيراً من الدول العربية غير فاعلة في المشهد العربي بسبب أزماتها الداخلية وانكفائها على ذاتها، مثل سوريا واليمن وليبيا والسودان ولبنان والصومال، لتبقى دول القلب الصلب خاصة مصر والسعودية والإمارات هي قاطرة العمل العربي المشترك.

ولا شك في أن قمة الجزائر تمثل فرصة سانحة ويجب توظيفها لتعزيز العمل العربي المشترك وتوحيد الصف العربي لمواجهة التحديات والتهديدات أمام العالم العربي، وهذا يتطلب العمل على تهيئة المناخ والأجواء وإنهاء الانقسامات وإزالة الضبابية والغموض حول انعقاد القمة.

* خبير العلاقات الدولية في الأهرام
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"