عادي

مسامرات درامية

00:02 صباحا
قراءة 5 دقائق
مشهد من عرض «الساعة الرابعة» الفائز بجائزة أحسن إخراج في الدورة السابقة من الأيام

الشارقة: علاء الدين محمود

يعد مهرجان أيام الشارقة المسرحية واحداً من أكبر التظاهرات الثقافية الإبداعية في الإمارات وعلى مستوى العالم العربي؛ بل ويكتسب سمعة عالمية؛ إذ صار قبلة للفنانين والمبدعين والمسرحيين، لما يتمتع به من مكانة كبيرة، ولئن كان قدر «أبو الفنون»، أن يتراجع في الكثير من البلدان العربية العريقة التي اشتهرت به، فإن راية الفن المسرحي ظلت ترفرف عالية خفاقة في إمارة الشارقة من تطور إلى آخر، برعاية ودعم كبيرين من حكومة الشارقة وإدارة المسرح بدائرة الثقافة.

منذ انطلاقته من «قاعة إفريقيا» في الشارقة بتنظيم من دائرة الثقافة والإعلام، في ذلك الوقت، ظل مهرجان «الأيام المسرحية» الذي بدأ عام 1984، يشهد تطوراً كبيراً فاق التوقعات، فقد أظهرت خلاله العروض المقدمة في كل دورة تصاعداً كبيراً، وحساً فنياً مرتفعاً يتمتع به صنّاع اللعبة المسرحية، فقد كانت الفكرة الأساسية في وقت التأسيس تعتمد على قيام مهرجان ثقافي كان يشتمل في ذلك الوقت على عروض مسرحية وندوات ومحاضرات وجلسات ومعرض للفنون؛ أي لم يكن المهرجان مسرحياً خالصاً حينها؛ بل يقوم على عدد من الممارسات الإبداعية والفنية، لكن تلك الفكرة تطورت وتوسعت بأن أصبح للمسرح مهرجانه الخاص بصورة سنوية، يحفل بالعروض والنقاشات حول المواضيع الفكرية التي تبحث في شأن المسرح العربي والعالمي وتياراته المتعددة والمختلفة، وكذلك المسامرات النقدية، ومنذ حينها لم يغب ذلك الحدث المرتقب عن موعده إلا فيما ندر؛ إذ ظل يعانق عشاق «أبو الفنون» في كل عام يقدم الجديد وينقل الرؤى حول الحركة المسرحية إلى فضاء أرحب.

عروض مميزة

ومما ساعد في رفع قيمة المهرجان هو اختياره لتشكيلة من العروض الجيدة التي تخضع للتقييم، وتشرف على تلك العملية لجنة عليا تتفرع عنها لجان متخصصة منها لجنة تحكيم المسابقة المسرحية تضم في عضويتها كفاءات مسرحية عربية ومحلية، إضافة إلى أن فعاليات المهرجان تستضيف في كل دورة مفكرين ومؤلفين وكبار الممثلين من رواد ونجوم من مختلف البلدان العربية والأجنبية؛ وذلك من أجل إثراء الأنشطة والفعاليات المصاحبة وتقييم العروض المسرحية عبر المشاركة في الندوات التطبيقية؛ حيث يسهم المشاركون في المهرجان في ممارسة نقد إبداعات بعضهم، وينتقل هذا النقد ما بين الانطباعي واللحظي إلى النقد المؤسس على النظريات المتعارف عليها في فنون الجمال المسرحي والإبداع الإنساني، إضافة إلى الندوات الفكرية المصاحبة واللقاءات والحوارات المفتوحة؛ وذلك لتوفير بيئة تفاعلية تحقق الفائدة للمسرحيين الإماراتيين، ومن العوامل التي ساهمت كذلك في نجاح المهرجان المتميز منحه جوائز فنية للفرق، والممثلين والفنيين باحتفال ختامي يتخلله تكريم فنان عربي فائز بجائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي، إضافة إلى تكريم أحد رواد الحركة المسرحية المحلية، وكان لذلك الأمر تأثيره الإيجابي الكبير فقد طور كثيراً من الحراك والمشهد المسرحي في الدولة، وصارت الفرق المسرحية المحلية الأهلية تشارك فيه بصورة مستمرة، وتترقبه عبر تحضيرات في وقت مبكر حتى تستطيع أن تقدم عروضاً تليق بسمعة المهرجان الكبير.

فضاء فكري

لقد خلقت «أيام الشارقة المسرحية»، مساحة وفضاء فكرياً من خلال الرؤى الجديدة والمقترحات التي تحملها لقاءات المبدعين والخبرات العربية والعالمية والإماراتية، فالنقاشات التي تجري بين تلك الكفاءات المسرحية، أصبحت ذات دور كبير في تطور الحراك المسرحي على المستويين العربي والمحلي؛ حيث تظل أمسيات وأصبوحات «الأيام» كمؤتمر يحمل العديد من وجهات النظر حول المسرح ومشاكله القديمة والراهنة؛ بل ويبحث كذلك في الحلول والإجابات عن أسئلة تحدي الراهن المسرحي العالمي والعربي، وكيفية تطور الفعل الدرامي، وكيف يمكن أن يعبر المسرح عن مشاكل وهموم المجتمع والفرد العربي في العصر الراهن، وكل تلك القضايا هي دائماً محط نقاش مستمر بين المشاركين في المهرجان في كل دوراته.

أرشيف

عقود طويلة مرت على انطلاق أكبر المهرجانات المسرحية العربية، شهد خلالها الكثير من العروض والتجارب والممارسات المسرحية والإبداعات الفكرية لتيارات مختلفة، وقدمت خلالها العديد من الرؤى عبر الندوات التي تناقش في كل دورة قضية مسرحية ودرامية جديدة على المستويين العالمي والعربي، الأمر الذي كون أرشيفاً عظيماً للحركة المسرحية في الدولة بفعل التراكم المستمر، بالتالي صارت هناك مرجعية تؤكد رسوخ المسرح في الحياة الإماراتية، وهو أمر يساعد كثيراً في عملية النقد والتحليل والتقييم للإجابة عن سؤال أين يقف الحراك المسرحي الإماراتي اليوم؟، الأمر الذي يساعد في تطور المسرح وتوسع الرؤى والأفكار المتعلقة به وبقضاياه المتعددة، كما تسهم كثيراً في إعداد أجيال من المخرجين والمؤلفين والممثلين، ولعل من الملاحظات المهمة في هذا الصدد أن العروض نفسها شهدت الكثير من التطور من حيث الفكرة والموضوع وطرائق العرض وتوظيف التكنولوجيا الحديثة؛ وذلك يشير بقوة إلى أن كل دورة جديدة للمهرجان تستفيد من التي سبقتها؛ وذلك من العوامل المهمة التي قادت إلى رسوخ هذه التظاهرة الثقافية الضخمة.

لقاء عربي

ولئن كان المهرجان يعتمد في كل دوراته المتعاقبة على العروض المحلية من أجل تطوير وتفعيل والارتقاء بالفن المسرحي في الدولة، فقد أسهم كذلك في رفد الحراك الإبداعي الدرامي العربي، عبر المشاركة بمسرحيات «الأيام»، في المهرجانات الخليجية والعربية المختلفة، وكذلك عبر استقدام الكفاءات والخبرات من كل أنحاء العالم العربي من مخرجين ونقاد وممثلين، كما تأسست، في هذا السياق، مكتبة كبيرة تضم الكتب والدراسات والجهود الفكرية للنقاد والمسرحيين الإماراتيين والعرب، وكرّست مشاريع دائرة الثقافة بالشارقة كجهة منظمة وراعية للمهرجان عدداً من المسابقات في الكتابة في شؤون المسرح، ودعمت مشاريع الورش، وبمرور الوقت أنتج المهرجان كتاباً محليين ومخرجين وممثلين، وتحولت عروض الأيام إلى مسابقة تفتح باب التنافس والتجويد والنقد البناء الذي أسهم في تطوير اتجاهات التجربة المسرحية المحلية، بالتالي فإن أثر المهرجان يتجاوز حراك الساحة الدرامية الإماراتية إلى كل دول العالم العربي، ناهيك عن الدعم المادي والمعنوي الكبير، حتى صارت الإمارات من أكبر الدول العربية التي تهتم بالمسرح.

ولئن كان مهرجان أيام الشارقة المسرحية قد نجح في الرسوخ والاستمرار والتطور وصنع سمعة كبيرة وصدى وصل حد العالمية، فإن الفضل في ذلك الأمر يعود بصورة رئيسية ومباشرة إلى الرعاية المتواصلة والدعم الكبير الذي ظل يحظى به المهرجان من قبل صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، فقد كان ذلك الدعم هو العامل الأهم في ما وصل إليه المهرجان من مكانة كبيرة، ولعل من المهم هنا الإشارة إلى أن دعم سموّه لم يكن عبر الدعم المادي فقط، رغم أهميته؛ بل ومن خلال كونه أحد الشخصيات المسرحية ككاتب له أسهمه البارز عبر مؤلفات عديدة، وقد قدمت العديد من أعماله خلال افتتاحيات المهرجان في نسخ مختلفة.

موعد جديد

بعد عامين من الغياب القسري بسبب جائحة كورونا، التي كان لها أثرها السلبي في مجمل النشاط الثقافي في العالم كله، ها هي «الأيام» تعود وتضرب موعداً جديداً، لتعانق محبي وعشاق المسرح عبر الدورة «31»، ليستمر الألق الذي أسس له المهرجان منذ بداياته مروراً بمراحله المختلفة، ولا شك أن النسخة الجديدة تحمل في جعبتها الكثير من العروض المميزة والأنشطة الفكرية والنقدية التي تصب في اتجاه استمرار تطور الحراك المسرحي الإماراتي، فالمهرجان لم يعد مجرد تظاهرة مسرحية فقط؛ بل صار معلماً بارزاً من معالم النشاط والحراك الثقافي والإبداعي الإماراتي والعربي، ولئن توقف المسرح لفترة طويلة في جهة العروض، فلا شك أن العودة تحمل الكثير من الحماس من قبل الفرق المسرحية المتعطشة للصعود إلى الخشبة وملاقاة الجمهور، ولعل استئناف المهرجان لنشاطه هذا العام، يشير إلى روح التحدي الكبير لدى المنظمين في وقت الفعل المسرحي لا يزال معطلاً في العديد من دول العالم؛ لذلك فإن عودة «الأيام» هي انطلاقة حقيقية للفعل الثقافي للنشاط المسرحي في الدولة، ومن الملاحظات المهمة أن النسخة الحالية تحمل العديد من العروض والأنشطة الفكرية والنقدية وبمشاركة وفق شروط ومعايير واضحة من الناحية الفنية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"