عادي

الأزمات اختبار دائم للحكومات..«كورونا» نموذجاً

02:38 صباحا
قراءة 5 دقائق
  • استخدام الخرائط الاجتماعية يسهل عمليات الاستهداف المكاني

إعداد: بنيمين زرزور

تواجه الحكومات ظروفاً استثنائية في أوقات الأزمات تقتضي التحرر من الروتين الوظيفي اليومي، وتفعيل العصف الذهني لابتكار آليات مواجهة تختصر زمن المعاناة، وتقلص الهدر في الجهود المبذولة، وتضمن خفض التكاليف والخسائر المترتبة على الأزمة إلى أدنى درجة ممكنة.

وقد واجهت الحكومات في جميع أنحاء العالم صعوبات كثيرة في تحديد خياراتها السياسية حيال مواجهة فيروس كورونا. وقد تبين أن الخلاص من تلك التحديات أو محاصرتها، ممكن من خلال تبني عقلية التعلم النشط، وتوسيع دائرة التعاون والتشاركية، وإنشاء بنية تحتية قوية خاصة بالبيانات، الأمر الذي يعد بتخفيف آثار الأزمات المستقبلية بفضل تجارب العالم التراكمية في مواجهة الفيروسات.

رقمنة بيانات التعداد

لا شك أن تنظيم تجارب التعلم المستمر يتم عبر التنسيق بين الجهات الفاعلة ذات الصلة. ومن المهم أولاً إعداد الخطط والقوالب وإدخال الهياكل التنظيمية القائمة على المعرفة الحالية لإدارة الأزمات المحتملة. يجب أن تكون هذه الخطط مرنة وقابلة للمراجعة والتنقيح على أساس المعرفة الجديدة. وتحتاج الحكومات إلى إنشاء هياكل جديدة في مواجهة الأزمات، ليس من الضروري أن تكون موجودة مسبقاً ولكن يمكن إدخالها في منتصف الطريق، والتي يتم إنشاؤها على أساس المعرفة الجديدة، كما أنها ليست حكراً على البلدان الغنية ذات الموارد العالية فقط. على سبيل المثال، تمكنت ليبيريا وسيراليون من إنشاء هياكل سريعة وسلسة ومرنة للتعامل بنجاح مع وباء الإيبولا. ثانياً، من الأهمية بمكان إنشاء هياكل مركزية تضمن التنسيق عبر الوكالات الحكومية، وتمكين القيادات الفرعية والجهات الفاعلة اللامركزية، وتشجيع الابتكار المحلي، ونشر التعلم النشط من خلال التجربة. يمكن للكيان المركزي أيضاً أن يضمن التركيز الكافي على كل من الاستجابة الطارئة قصيرة المدى للأزمة وكذلك النظر في العمل التحليلي على المديين المتوسط ​​والطويل لزيادة الاستعداد من خلال بناء هياكل ذاتية التصحيح أكثر قوة وأشد فاعلية.

(عن بحث مقدم لجامعة جورج تاون الأمريكية)

اكتساب المعرفة

لقد بات من الواضح أن واضعي السياسات يعانون مشكلة الفهم القاصر لكيفية اكتساب المعرفة و تنشيط القدرات ذات الصلة. وعانت الحكومات في جميع أنحاء العالم القيود المفروضة على النماذج القياسية لمشكلات السياسة، والتي أرسيت نتيجة سنوات من العمل والتطوير.

وقد أسهمت الرسائل المتناقضة من مختلف الخبراء والتخصصات، ونقص التنسيق الفعال بين مختلف الأطراف الفاعلة في القرار السياسي، ومحدودية التنظيم الهرمي لتنفيذ القرارات من أعلى إلى أسفل، في حدوث ارتباك في وضع السياسات الفعالة في مواجهة الأزمة. وعلى الرغم من أهمية دور خبراء الصحة، كان من الممكن الاستفادة من الأطر الأخرى مثل مجموعة الأدوات الخاصة بعلماء الاجتماع لفهم تأثير الأزمة بشكل أفضل. كما يمكن لأخصائيي التعليم المساعدة في فهم عواقب الاضطرابات في التعليم على نمو الطفل والقوى العاملة في المستقبل. ويمكن لخبراء السلوك وعلماء الأنثروبولوجيا إلقاء الضوء على أفضل السبل لتصميم وتنفيذ تدخلات الصحة العامة.

المنافسة غير الصحية

يشكل التعاون بين الهيئات الحكومية بمختلف مستوياتها، بطريقة منسقة، تحدياً كبيراً. بينما ينتج عن غياب التنسيق خلل خطير. وعلى سبيل المثال، أدت موجات العمال المهاجرين العائدين من المدن إلى منازلهم الريفية بعد الإغلاق الأولي في الهند إلى تفشي فيروس كورونا في المناطق الريفية والذي كان من الممكن التخفيف منه أو تجنبه، من خلال تنسيق أفضل لسياسات المواجهة في جميع أنحاء البلاد.

ولم يكن مستهجناً خمول بعض الهيئات الحكومية، أو حتى تعارض أنشطتها مع التوجه العام. وغالباً ما كانت المنافسة غير الصحية والرغبة في تجنب اللوم من أولويات الحكومات طوال فترة تفشي الوباء. كانت هذه المنافسة واضحة بشكل خاص في البلدان الفيدرالية، لا سيما حيث تنتمي الحكومات المركزية وحكومات الولايات إلى أحزاب سياسية متنافسة، كما هو الحال في البرازيل والولايات المتحدة وماليزيا.

كما كان هناك نقص مستمر في التوازن الصحيح بين السياسة والخبرة. وقد فشل العديد من الحكومات في الاعتماد بشكل فعال على سلطة الخبراء، مفضلة المنفعة السياسية على القرارات الصعبة، بينما استعانت حكومات أخرى بأكبر قدر ممكن من الخبراء في صنع القرار، سعياً لإخلاء المسؤولية عن أنفسهم.

التعلم النشط

يجب أن تكون الاستجابة الفعالة للأزمات واضحة وحاسمة، كما ينبغي أن تكون مرنة ونمطية أيضاً لدمج التعلم السريع. وفي بيئات عدم اليقين يجب أن تستند استجابات السياسة إلى البيانات والأدلة. وهذا يتطلب بيئة تعليمية تتميز بالتجربة. لذا لا ينبغي للحكومات العمل بناءً على المعرفة التراكمية المتاحة فحسب، بل يجب أيضاً اتخاذ خطوات لفهم تكاليف وفوائد كل قرار سياسي بشكل أفضل، وصقل الإجراءات وفقاً للمعرفة الجديدة. بمعنى آخر، تعلّم وأنت تتصرف وتصرف لتتعلم.

من الأفضل اتخاذ القرارات الأخرى بعد جمع بعض المعلومات - خاصةً إذا كان جمع هذه المعلومات غير مكلف نسبياً. بالنسبة للبلدان التي فرضت عمليات إغلاق مفاجئة مثل الهند، كان من الممكن لمسح سريع أن يساعد الحكومة على إدراك أن المهاجرين سيغادرون المناطق الحضرية بسرعة إذا تم فرض إغلاق مفاجئ، وهذا كان سيسمح باتخاذ تدابير تخفيف متعددة. يمكن للبلدان أن تكون سريعة في استجابتها ولكن دون التسرع في اتخاذ القرارات بشكل أعمى.

الخرائط الاجتماعية

فيما يتعلق باتخاذ القرارات، يجب استخدام جميع المعلومات المسبقة مثل الخرائط الاجتماعية التي تسمح لنا بفهم نقاط الضعف الكامنة لدى السكان بشكل أفضل، حتى تتمكن الحكومات من تنفيذ استراتيجية الاستهداف المكاني. يمكن أن يساعد فهم الكثافة السكانية في المناطق باستخدام بيانات التعداد، وكذلك أنماط التنقل استناداً إلى بيانات الهاتف الخلوي، في تحديد المناطق الأكثر عرضة لانتشار العدوى، وبالتالي قد تكون مرشحة لسياسات مراقبة واحتواء أكبر.

على سبيل المثال، يمكن استخدام البيانات الموجودة لتحسين التقسيم الطبقي ورسم آليات الاستهداف. هنا يمكن أن تختار الحكومات بين الإغلاق العام والإغلاق «المتدرج»، حيث يُسمح لمجموعات معينة بمزيد من حرية الحركة للحفاظ على تشغيل عجلة الاقتصاد، وبالتالي توفير درجة من الاستدامة الاقتصادية، خاصة للفقراء.

عند تبني مثل هذه الأساليب، من الأهمية بمكان أن تستخدم الحكومات نهج «المظلة الكبيرة» الذي يضم الاقتصاديين وعلماء البيانات والمتخصصين في الأمراض المعدية والصحة العامة وقادة قطاع التكنولوجيا، فضلاً عن شركاء الاختبار والإدارات الحكومية – ويترك للحكومات حرية تشكيل كل مجموعة حسب طبيعة الأزمة المحددة التي تواجهها. لكن لا بد من بذل الجهود لتجميع تحالفات واسعة وخبرات متنوعة بشكل منهجي، لأن الأنظمة الإدارية في كثير من الأحيان، لا تنسق بشكل طبيعي مع بعضها بعضا.

تحسين التنسيق

بينما يرتبط الأداء بقدرة الدولة الحالية، فإن عدم التجانس في استجابات السياسة الحكومية حيال كوفيد-19 يوضح أن الحكومات ذات القدرات العالية يمكن أن تفشل أو يشوب أداءها التقصير، بينما يمكن للحكومات ذات القدرات المحدودة صياغة استجابات سياسية فعالة في الوقت المناسب. ويكمن الاختبار الرئيسي للاستجابة الفعالة ديناميكياً في ما إذا كان بإمكان الحكومات الاستفادة من التجربة الحالية لبناء قدرة قوية للدولة على الاستجابة للأزمات في المستقبل. ويعتمد هذا إلى حد كبير على استفادة السياسيين من تجربة التضحية المشتركة في شعور بالهدف المشترك الذي يبرر ويدعم التحول في السياسات المستقبلية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"