عادي
رؤى عصرية

الإسلام في فكر جارودي أمل في المستقبل

00:19 صباحا
قراءة 4 دقائق
الشارقة: علاء الدين محمود
كثير من المفكرين والعلماء والأدباء في الغرب اطلعوا على مؤلفات وتجارب عن الإسلام، وتحدث العديد منهم عنه متناولين الجوانب الإيمانية والإنسانية والأخلاق العالية الرفيعة التي يدعو لها، ولأن الإسلام كان دعوة ضد قيم الجهل، فإن الكثير من هؤلاء لمسوا فيه تلك الروح التحررية التي تتوافق مع متغيرات الزمان والعصور، وذلك ما اكتشفه المفكر الفرنسي روجيه جارودي (1913-2012)، وحكاه في كتاب «لماذا أسلمت؟ نصف قرن من البحث عن الحقيقة».
روجيه جارودي هو واحد من تلك الأسماء الكبيرة التي لمعت في سماء الفلسفة الغربية، وكانت له صولات وجولات مع الأفكار والمفاهيم الفكرية التي تنشد قيم العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة بين أفراد أي مجتمع، فقد كان مشغولاً بهموم الإنسان، وأعد نفسه تماماً لتلك المهمة، فكان واسع الاطلاع على الحركة الفكرية حول العالم، انضم إلى الحزب الشيوعي الفرنسي في وقت مبكر من حياته عام 1937، وذلك لجاذبية الأفكار الماركسية حينها التي ترفض التمييز بين البشر، وأن يصبح الإنسان مجرد سلعة، وأن يبتعد المرء عن جوهره الإنساني، وغير ذلك من السلبيات التي رافقت صعود الرأسمالية والمجتمعات البرجوازية المترفة.
إصلاح
في ذلك الوقت كان الحزب الشيوعي الفرنسي من أكبر الأحزاب اليسارية الأوروبية، وسيطر بصورة كبيرة على الحياة الاجتماعية والثقافية في فرنسا وعلى شرائح العمال والفقراء، لذلك عمل جارودي بكل عزمه وقوته من أجل الفكرة الجديدة التي آمن بها من أجل الإنسانية وخيرها، ولكن ساءه أن يكون الحزب الشيوعي مجرد تابع لمركز الاتحاد السوفييتي لا يتمتع بالاستقلالية عنه، ولأنه يتمتع بشخصية جدلية وناقدة باحثة عن الحقيقة، فقد اتجه نحو إصلاح حال اليسار في بلاده فكتب المقالات والمؤلفات ومن أشهرها «في منعطف الاشتراكية الكبير»، غير أن حزبه لم يحتمل تلك الانتقادات التي كان يرسلها بلا كلل أو ملل، فطرده من صفوف عضويته عام 1970، بعد أن قضى فيه السنوات النضرة من حياته. وأصبح غير مرغوب في وجود جارودي بسبب انتقاداته المستمرة للاتحاد السوفييتي، وهو الأمر الذي لم يكن مقبولاً لدى معظم الأحزاب الشيوعية حول العالم وفي أوروبا على وجه الخصوص. وعلى الرغم من خروجه عن الحزب في ذلك الوقت إلا أنه لم يغادر الفكر اليساري فأسس من فوره مركزاً للبحوث الماركسية، وظل مديراً له لمدة عشر سنوات، ليعمل بحرية بعيداً عن قيود وثقل الأيديولوجية التي قيدته، وذلك يشير إلى أن جارودي كان يتحلى بالعزم وروح التحدي، كما أن مرجعيته كانت عقله هو لا ما يراه الآخرون سواء كان حزباً أو مركزاً فكرياً آخر.
منعطف جديد
الهدف مما ذكرناه من سمات وصفات لجارودي فهم أن الرجل لم يكن يقبل على أي فكر أو يقتنع به إلا بعد عمل ذهني مضن ودؤوب، لذلك فإن عقليته الناقدة وتميزه بروح الجدل، كلها صفات ضربت له موعداً جديداً نحو منعطف فكري وروحي جديد، وذلك عندما اعتنق الإسلام عام 1982، في المركز الإسلامي في جنيف؛ أي بعد ما يزيد على 10 أعوام من تاريخ مغادرته الحزب الشيوعي الفرنسي، بعد رحلة تأمل وتدبر.
والواقع أن جارودي لم يكن بعيداً عن موضوعات الدين والحوار بين الأديان بحكم خلفيته كباحث ومفكر، لذلك ظل يقترب رويداً رويداً من عالم الإسلام الذي وجد فيه دين الحقائق المنفتح على العصر والذي يمثل أملاً للإنسان فيه.
قصة
حكى جارودي في كتاب «لماذا أسلمت؟» قصة أحد الدوافع التي جعلته يتجه نحو الإسلام، وذلك عندما كان في الجزائر حيث سجن، وأصدر الكوماندوز الفرنسي حكماً بإعدامه رمياً بالرصاص، وأصدر أوامره إلى الجنود الجزائريين المسلمين، وكانت المفاجأة عندما رفضوا إطلاق النار عليه، وبعدها عرف السبب، وهو أن شرف المحارب المسلم يمنعه من أن يطلق النار على إنسان أعزل. تلك الحكاية كونت لدى جارودي فكرة عن الأخلاق والمثل ومكانتها في الدين الإسلامي، وكذلك الروح الرفاقية التي يتمتع بها المسلمون، وكان جارودي وقتها مهموماً بقضية الإنسان والحضارة وغير ذلك، وكان يرى في القيم الرأسمالية الغربية التي تقوم على ثقافة الاستهلاك والاستغلال نقيضاً لما يجب أن يسود من علاقات إنسانية في ذلك العصر. وذلك ما ذكره بإسهاب في كتابه «حفارو قبور الحضارة»، وهو الوصف الذي أطلقه على الرأسمالية والرأسماليين، لذلك وجد في تلك القيم التي يدعو لها الإسلام ملاذاً للبشرية في العصر الحديث، وذلك ما صرح به في الكتاب عندما قال: «أنا لم أعلن إسلامي إعجاباً بما قدم الإسلام للناس فيما سبق من الزمان، بل بالأمل العظيم الذي يمكن للإسلام أن يقدمه للإنسان في مستقبله حينما يريد أن يتعايش بسلام على هذه الأرض».
وحمل جارودي راية الدفاع عن الإسلام، وصار ذلك هو شغله الشاغل، وألّف العديد من الكتب التي تعلن عن أن ديننا هو مستقبل البشرية مثل: «وعود الإسلام»، و«الإسلام يسكن مستقبلنا»، ولم يكتف بالتأليف فقط بل تحدث كذلك من خلال المؤتمرات والندوات التي كانت تعقد في أوروبا والعالم العربي والإسلامي.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"