عادي
مفاهيم كونية في القرآن

آيات مختلفة

00:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
حميد مجول

أ.د. حميد مجول النعيمي *
ستبقى العلوم الفلكية والكونية تقدم أدلة وبراهين وحججاً للكون وآيات يُكْشَفُ عنها ما دامت الأرصاد الفلكية الأرضية الفضائية مستمرة والبحث قائماً، وما دام الظرف الزمني متاحاً والعلم يتقدم تصديقاً لمضمون الآيتين التاليتين:

1- «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» النمل 93

بمنظور فلكي كوني، فإن مدلول كلمة «آية» يأخذ موقعاً في التأمل، فالآية، بوصفها دليلاً أو برهاناً أو إعجازاً، تمتدُّ في علم الفلك بوصفها أداة الدليل أو البرهان أو الإعجاز، ولا يتأتّى لهذه الأداة أن تعمل أو تظهر إلا بالجديد من الكشف، والكشف حصراً، لأنه يميط اللثام عن وجودٍ لم يكن الإنسان ليعرفه إلا بطريقة هي الأخرى جديدة، مبتكرة أو مكتشفة، أو أن هذا الموجود كان مجهولاً وصار معروفاً مما يمكن عدّه آية في الفلك، حتى تضيف دليلاً أو برهاناً أو حجة لوحدانية الله وقدرته وكل مضامين أسمائه الحسنى وصفاته الأخرى ذات العلاقة بها.

2- «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ..» فصّلت 53.

نرى أن الآفاق موجودة في الآية (2) أعلاه فقط، وأن دلالة حرف السين المستقبلية تبدو مفتوحة النهاية الزمنية مرة أو مغلقة بتاريخ يريده الله سبحانه مرة أخرى، وكونها مغلقة فلأن سببها موضوعي ينتهي أو يتبين في مضمون فتعرفونها في الآية الأولى وفي جملة «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ..» في الآية (2)، فإذا عرفوها، أي الآيات، وإذا تبين لهم أنه الحق، أي القرآن، انتهى المدى الزمني المستقبلي لحرف السين علمياً وغائيّاً في الآيتين (1و2) معاً، ذلك لأن المخاطَبَ معروفٌ ومحدد بجيل وزمان محدودين، أي أن الآخرين لن يعرفوا هذه الآيات بضمائرهم وقلوبهم وعقولهم قط ولن يتبين لهم أن القرآن حق أبداً.

ونحن نعلم أن «كل كشف فلكي أو فيزيائي فلكي يضيف جديداً فهو آية».

لنأخذ نوعين من النجوم، النيوترونية والثقوب السوداء، ونستطيع معالجة مفهوم النجوم النيوترونية على أنها آية وما نحن بمخطئين، وكذلك الحال مع النجوم السوداء الميتة أو الثقوب السوداء وغيرها كثير، بل يمكن للباحثين أن يصنّفوا هذه الآيات أو أن يعملوا على وضع أنظمة لها ويعالجوا بحثها بتسلسلات معينة وحسب رغبتهم، شَرْطَ إخضاعها جميعاً لمفهوم التعريف العلمي الصحيح. وفي هذا التوجه تكريمٌ للعلم والعلماء الذين تثبَّت لهم كشوفاتهم الموثقة عالمياً لأنهم يصبحون ممن احتلّوا الجانب الإيجابي في سعي الإنسان بإطار قوله تعالى:

«أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..» الأعراف 185، وإن سعيهم كان، وسيبقى، بإطار تقصّي الأسرار الكامنة في ملكوت الله وهو القائل: «وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ» النمل 75، تأكيداً من غير تحليل. أما هنا فنقول: إن مسألة الكشف هي السبيل الوحيدة لزيادة الآيات وتقوية تأثيرها الإعجازي، والكشف عنها يتطلب رؤية ما لا نراه فضلاً عن رؤية ما نراه بالعين المجردة بعد أن جاوز الإنسان خصائص الأجيال الماضية لتحل محلها مزايا أقدر منها على المتابعة والبحث وسيحل محل هذه أخرى أقدر منها على إضافة الكشوف الجديدة التي لا تنقضي ولا تنتهي بحكم النص القرآني المستتر في حرف السين المدهش.

في معنى الآفاق بوصفها صيغة لجمع أفق، فهي ليست المقابل للآفاق بمعنى الأفق الجغرافي- الفلكي في الأرض والسماء. وقد جاء في مختار الصحاح«(الآفاق) النّواحي، الواحدُ (أُفُق) و(أُفْق) مثل عُسُرْ وعسْرْ ورجلٌ أَفَقيّ بفتح الهمزة والفاء إذا كان من آفاق الأرض وبعضهم يقول أُفُقيّ بضمهما وهو القياس». يبدو المعنى مقصوراً على نواحي الأرض هنا، وإن الامتداد به إلى الفضاء يعدُّ توسيعاً للمعنى، ولا نخشاه!

فلكياً، لنذهب إلى مفهوم الكرة السماوية ونستفهم الأفق ودائرة الأفق وعلينا أن نستذكر مفهوم سَمْت الرأس Zenith أولاً، وهي النقطة الممتدة عمودياً من فوق رأس الراصد الواقف في أي نقطة على سطح إلى الفضاء الخارجي، يقابلها النظير أو سمت القدم Nadir بمعنى النقطة التي تبعد عن سمت الرأس بزاوية قدرها 180 درجة، أي النقطة الممتدة عمودياً من تحت قدمي الراصد بحيث تمر في مركز الكرة الأرضية باتجاه الفضاء الخارجي (النقطة المقابلة للسمت مباشرة في النصف الجنوبي من القبة السماوية). من هنا نستطيع وصف دائرة الأفق على أنها الدائرة العظمى التي تبعد 90 درجة عن كل من سمت الرأس والنظير، أي الدائرة المتمثلة بمنتصف القبة السماوية بحيث يكون قطباها: السمت والنظير.

* مدير جامعة الشارقة

* رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"