عادي
مفاهيم كونية في القرآن الكريم

حشود المجرات

23:06 مساء
قراءة 3 دقائق
حميد مجول

أ.د. حميد مجول النعيمي *

في مقال أمس تحدثنا عن حجم الكون المرئي (السماء الدنيا) والكون الحقيقي (السماوات والله أعلم )، وأن 5% من الكون الحقيقي هو المرئي بالعين المجردة وبالأجهزة والمراصد الفلكية الأرضية والفضائية بتقنيات اليوم، ثم وجدنا أن المرئي يحتوي على مليار حشد مجري، وكل حشد مجري يتألف من 100 – 150 مجرة وهذه المجرات الموزعة على شكل مجموعات (عناقيد) مجرية، «وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا» الزخرف 48. والمجموعات المجرية نوعان أولها الحشود المفتوحة وتتكون من نجوم لامعة ذات أعمار قصيرة حديثة التكوين، يتراوح عدد نجومها بين 10-1000 نجم في كل عنقود ويعتقد أنها تألفت من مجموعة واحدة من سحابة غازية واحدة ولها العمر نفسه (أي تكونت النجوم في الوقت عينه). وتكون هذه الحشود متمركزة في مستوى المجرة وبخاصة في الأذرع الحلزونية. والنوع الثاني الحشود الكرويّة (المغلقة)، وهي عناقيد كروية الشكل منتشرة في الهالة فوق مستوى المجرة أو أسفله، وعلى بعد 10 آلاف سنة ضوئية تقريباً من النواة. وتكون أكبر حجماً من الحشود المفتوحة، ويبلغ معدل قطرها حوالي 100 سنة ضوئية، نجومها أكثر تكافؤاً وأكثر عدداً من نجوم الحشود المفتوحة ويتراوح عددها بين 10 آلاف إلى 10 ملايين نجم في كل عنقود. ويعتقد أن نجوم الحشد الكروي تألفت كلها في الوقت نفسه حول مركز المجرة. إن ألمع حشد كروي يمكن مشاهدته بالعين المجردة هو أوميكا قنطورس الذي يبعد نحو 13000 سنة ضوئيّة.

هنا يقترن في التأمل كل من الجمال والصنع، كما في قوله تعالى: «أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ» ق 6، أي أن جمال الحشد النجمي منطلق من دقة صنعه مما تراه العين المجردة وما خفي عليها أكبر كما نرى. ولو أجرينا المفاضلة من حيث الكبر باستذكار الآية الكريمة: «وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا» لاضطررنا إلى معرفة خصائص المجموعتين معاً بين الحشود النجمية المفتوحة والكروية.

هنا تبدو الصعوبة في تحديد أي الآيتين أكبر من الأخرى على غير المتدبّر والمتأمّل أو العالم المتبحّر، بل هي على أولئك أصعب في آخر المطاف لأنهم سيختلفون في المعيارية التي يحتكمون إليها! وهذا شيء موضوعي وغير شاذ في الواقع؛ لأن مفهوم أكبر في الآية القرآنية يبقى أكبر من أي تفسير مباشرة لها، مع ذلك يمكن وضع الصفة ذات أعلى رقم بمرتبة متقدمة في العلم نفسه لأن نشوءها وصيغة وجودها يمنحان مؤشرات كبر من العناصر الغازية المنتشرة، فعندما تكون الحشود المفتوحة غنية بالمعادن والحشود المغلقة فقيرة لأنها تحتوي على نسبة قليلة منها فإن هذه الصفة تمنح الحشود المفتوحة قيمة أعلى لأنها قادرة على أن تحقق منفعة ولو من الناحية النظرية المجردة، لأننا نريد البحث عن مسوّغ وليس عن تأسيس صناعة!

وباللجوء إلى المنطق نفسه، ربما يذهب علماء الفيزياء الفلكية إلى مناقشة صفة تكون نسبة المادة بين النجوم ليجري المفاضلة على أساسها، وقد يخرج بترجيح الحشود المغلقة على المفتوحة بسبب قلة هذه المادة بين نجومها، وهكذا بالنسبة للعمر: من هو الأكبر؟ الأقدم وجوداً أم الأحدث وجوداً؟ ناهيك عن كون المجموعتين المبحوثتين هما حشود! وقد يقترح باحث منح كل صفة درجة معيارية للحكم بين المجموعتين، لأن حاصل مجموع درجات كل مجموعة حشدية يشكل موقعها أكبر أو أصغر بالنسبة إلى الأخرى، وهذا مبدأ يمكن القبول به إلا أنه يصطدم بإجراءات التنفيذ التي شرحنا بعضها آنفاً، أي ما الذي يجعل الأزرق أكبر أو أعظم من الأحمر أو العكس؟ ثم هنا مدلول الأكبر التقليدي: الزيادة بالعدد، فالحشود المغلقة تتكون من 10000 إلى مليون نجم بينما المفتوحة تتكون من 10-1000 نجم فقط، أي أن المغلقة تصبح أكبر بدهياً وتلقائياً وتنتهي المجادلة عند هذا الحد وبخاصة إذا أضفنا إليها صفة قدم العمر، أي أن الحشود النجمية آيات لا يمكن المرور عليها بإعراض كما في قوله تعالى في سورة يوسف الآية (105): «وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ».

* مدير جامعة الشارقة

* رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"