عادي
مفاهيم كونية في القرآن

الجاذبية والميزان

23:54 مساء
قراءة 3 دقائق
حميد مجول

أ.د. حميد مجول النعيمي *
لاحظنا في مقالاتنا السابقة أن الكون يحتوي على مختلف الأجرام السماوية (مجرات ونجوم وكواكب وأقمار وسدم وغازات...الخ ) وكلها في حركة مستمرة ومرتبط بعضها مع بعض برباط الجاذبية المشتركة، تتحرك في مدار، أو فلك «وكل في فلك يسبحون»، وهذا هو التوازن (الميزان) بعينه في الكون «وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ» الرحمن 7، وفي قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً» فاطر‏:41

إن الله سبحانه بعلمه وحكمته وقدرته‏،‏ هو الذي يحفظ السماوات والأرض من الزوال‏،‏ ولو قدر لهما الزوال فلا تستطيع قوة في الوجود غير قدرة الله على إعادتهما والإمساك بهما‏.

يقدر عمر الكون المرئي بحوالي 13,78 مليار سنة، وهو واسع وعظيم البناء‏،‏ متقن الصنعة‏،‏ شديد الانتظام في كل أمر من أموره‏،‏ وشديد الإحكام في ترابط مختلف أجزائه على تباين كثافة المادة فيها‏،‏ واختلاف كتلها وأحجامها وأشكالها وتعدد مداراتها‏،‏ وانتظام دوران كل منها حول محوره‏،‏ وانتظام سبحه في مداراته في توافق عجيب يشهد لخالقه تعالى بطلاقة القدرة‏،‏ وبديع الصنعة‏‏.‏ ويقدر علماء الفلك عدد المجرات في الكون المرئي (السماء الدنيا) بحوالي مئة مليار مجرة موزعة على مليار حشد مجري تتخللها المواد المؤلفة من الأتربة والغازات والدخان‏،‏ وكل مجرة تحتوي على 100 – 200 مليار نجم بينها أيضاً مواد الأتربة والغازات والدخان.

وبعض من هذه النجوم قد تكون لها توابع من الكواكب‏،‏ والكويكبات‏،‏ والأقمار‏،‏ والمذنبات كما في مجموعتنا الشمسية‏.‏ تتضمن الآية الكريمة أعلاه معاني علمية فيزيائية فلكية دقيقة، فالسماء بالنسبة لنا تبدأ مع بداية سطح الأرض والغلاف الجوي الأرضي، ثم الفضاء، فأجرام سماوية مختلفة، فيها المشع بكامله أو بأجزائه (ذات ضيائية ذاتية) مثل النجوم، فالحشود النجمية والمجرات، ومنها غير المشع ذاتياً (معتم) كالأقمار، والكواكب والمذنبات والجزيئات والذرات و التراب الكوني «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نوراً» يونس 5. وجميع هذه الأجرام تحتفظ بحركتها وتماسك بعضها مع بعض تحت تأثير عدة قوى، أهمها الجاذبية والقوى الفيزيائية الأخرى الناشئة عن الحركة، وقد هيأ الله سبحانه للأرض غلافاً جوياً (واقياً/ سربيلاً) يحتوي على العناصر الغازية التي لا غنى عنها للكائن الحي، كما أنه يحمي سكان الأرض من عدد من الموجات الكهرومغناطيسية، ومن الأمطار الشهبية التي تهيم في فضاء المجموعة الشمسية والغلاف المغناطيسي الذي يحمي الأرض من الأشعة الكونية والرياح الشمسية.

وبذلك نجد الأجرام السماوية بمختلف أنواعها مرتبط بعضها مع بعض بمجموعة قوى تجعل الكون (السماء والسماوات) في اتزان حركي دائم (ميزان).

نشاهد في الكثير من السدم مجموعة نجوم حديثة الولادة بينها المادة والغاز والدخان، وشخص العلماء وجود أعمدة الخلق وهي أعمدة من الجاذبية الأخرى كما قال سبحانه وتعالى «اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» الرعد:2. كذلك في سورة لقمان الآية 10«خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا».

وهكذا نجد في القرآن الكريم أن عدداً كبيراً من الآيات الكريمات يشير إلى الجاذبية العامة، فالأجرام السماوية لا يمكن أن تتماسك لولا قوى الجاذبية (سبحان الله).

والميزان بمعنى التوازن (التكافؤ في الاتجاه أو في القوة أو بهما معاً) ضمن حركة أي جسمين أو أكثر هو في حقيقة الأمر من دلالات الميزان لا من معانيه. إن إرادة الله في قوله سبحانه: «وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ». هنا تفرض علينا مواكبة المتغيرات الفيزيائية الفلكية بإطار (الحركة والتوازن) على نحو مبسط، حسب القوانين الفيزيائية المعروفة لكل من كوبرنيكوس وتيكو براهي وكبلر ثم قوانين نيوتن، خاصة في قانون الجذب العام.

سنجد ظهور التوازن في أعلى مستويات معانيه في كلمة (ميزان) وخاصة قانون الجذب العام لنيوتن لأنه يعرّف الجاذبية بأنها قوة، وقوة الجذب هذه هي التي تجعل الكواكب مستمرة في دورانها حول الشمس (وفي العلاقات الكونية الأخرى). أما النظرية النسبية التي وضعها ألبرت أينشتاين وأحدثت تغييراً طفيفاً على قوانين نيوتن فإنها تعرّف الجاذبية بأنها انحناء زمكاني أي أن وجود المادة يؤدي إلى تشويه منحنى الزمان والمكان حولها.

وقوله تعالى: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» القمر 49، فكل تغيير في كم المواصفات أو نوعها يبقى ضمن القدر الكلي للخلق.

* مدير جامعة الشارقة

* رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"