عادي
رؤى عصرية بوازار يلخص ملامح العقيدة

العدل والمساواة جوهر الإسلام

23:01 مساء
قراءة 3 دقائق
مارسيل بوازار

الشارقة: عثمان حسن
يعد كتاب «إنسانية الإسلام» للمفكر ورجل القانون الفرنسي مارسيل بوازار، من أهم الكتب في مجال الدراسات الغربية لديننا، فقد تحرى مؤلفه أقصى ما لديه من عمق وموضوعية، خاصة أنه «لا يأسره التحيز والهوى، فضلاً عن عدم انغلاقه إزاء الكتابات الإسلامية نفسها». في هذا الكتاب، نحن بإزاء سبعة موضوعات أساسية يعالجها المؤلف هي: العقيدة، والشريعة، والعبادة، والأخلاق، ومبدأ العدل والمساواة، وقضية انتشار الإسلام، والتعامل مع الآخر. وهذه المسارات الأساسية للكتاب، لا تنفصل عن بعضها، بل هي تتداخل، وتتشابك.

في مسألة العقيدة يقول بوازار: «الإسلام اتصال بين الله إلهاً والإنسان كإنسان، وانخراط من النسبي في المطلق. والاسم الذي يحمله هذا الدين، يعبر عن جوهره: تسليم مطمئن، وفاعل، وطوعي لمشيئة الله، ويعبر القبول الورع، فردياً أو جماعياً، باحترام الشريعة المنزلة، عن محاولة دائمة دائبة من الفرد للدخول في حالة من التوازن الوادع مع عالم فريد ومتماسك، محكوم بقرار إلهي».

وبحسب بوازار، فإن هذا القبول أُسس على معتقد راسخ تماماً بوحدانية الله، ضمن عالم متناغم محكوم بشريعة واحدة كونية ثابتة لا تتحول، وهو الذي أنجب تاريخياً أمة وأنجب معها طريقة عيش وعمل وتفكير، وبكلمة واحدة أنجب حضارة.

بهذه الشهادة، يلخص بوازار الملامح الأساسية لعقيدة الإسلام: حيث مغزى التسمية في العلاقة بين الله والإنسان، هو التلقي عن الله وحده، والالتزام بشرعه، وهو التزام محكوم بقرار إلهي، حيث تلتقي سنن العمل، ونواميس العالم من خلال شريعة كونية واحدة، هنا التوحيد المطلق لله، والوفاق بين الروحي والمادي، وبالتالي، توحد كافة الثنائيات في سياق واحد.

تأملات

يتأمل بوازار أسّ الأسس في عقيدة الإسلام، وهو التوحيد المطلق، فيرى أن أبلغ الفقرات القرآنية تأثيراً هي تلك التي تتصل بوحدانية الله، وهذا التوحيد يضفي على الإسلام أكثر صفاته تأصلاً، وهي أنه «دين المطلق» و«قوة الإقناع».. وينبثق عن هذا التوحيد، موقف سياسي واجتماعي متميز.

كما يتحدث بوازار عن مفهوم النبوة ليوضح مركزها على خريطة الأديان والنبوات السابقة، فهي بحسب ما يقول: «الرسالة الأخيرة ولا ريب، وهي تمثل امتداداً لجوهر تلك النبوات، قبل أن تنالها يد التحريف».

حول «الشريعة»، يتحدث المؤلف عن ما يسميه النظام أو الأداة العملية لتحويل المعطيات العقدية للإسلام إلى ممارسة منظورة، وجعلها تنفذ إلى قلب الواقع، وتتمكن من تغييره وإعادة صياغته في ضوء مبادئها المتميزة، وهذا تفسيره للشريعة التي يرى أنها ليست نظاماً جامداً، بل هي تعبر عن نظام حركي مرن، استطاع بواسطة النشاط الفقهي المتزايد أن يتابع كل مفردات الحياة، وأن يرسخ لها في ضوء المعايير الأساسية، في كتاب الله والسنة النبوية، هذه السنة هي المصدر الثاني للتشريع، وهي بدورها تتسم بالشمولية والحيوية.

في موضوع الأخلاق، يتحدث المؤلف عن خصيصة إسلامية تحث على احترام القانون والكف عن الشر والدعوة إلى الخير، وهو يقارن بين الأخلاق في الإسلام وفي غيرها من الأديان والمذاهب الأخرى، فيلحظ، مثلاً، وجود شبه في المنهج الخلقي الإسلامي، إلى حد ما- مع المنهج الغربي على الرغم من التعبير عنهما بألفاظ غاية في التباين، كما أن الوصايا الأخلاقية الكبرى التي وردت في الديانات السابقة على الإسلام، ليست غريبة عما يؤمن به المسلم. ويستمر بوازار في إنصاف الإسلام وما يمتاز به من خصائص ليصل إلى «العدل والمساواة» وهما برأيه يتداخلان في نسيج الإسلام كله، بحيث يصعب أحياناً فك ارتباطهما، فبدون مبدأ المساواة الإنسانية بين الأفراد، لن يتحقق عدل، ومن دونه لن تكون المساواة سوى أحلام وأمان معلقة في الفضاء.

ويمضي بوازار بحنكة المفكر والقانوني ليتحدث عن مسألة انتشار الإسلام ومعاملة المغلوبين، ويقول: «أظهرت الرسالة القرآنية وتعاليم النبي الكريم أنها تقدمية بشكل جوهري، وتفسر هذه الخصائص انتشار الإسلام السريع بصورة خارقة خلال عدة قرون قليلة».

التعامل مع الآخر

يؤكد بوازار أن الإسلام حاول منذ القرن السابع للميلاد أن يقدم حلاً لمشكلة الأقليات، وهو كما يرى حلاً فريداً من نوعه، ويقارن بين الإسلام والتجارب الدينية والوضعية الأخرى، في الماضي والحاضر، فيجد أنه في حين كان التعصب من فضائل الدولة في الغرب المسيحي، وبقيت كذلك لقرون، كان سبق للإمبراطورية الإسلامية أن تقبلت جماعات كثيفة من غير المسلمين وحمتهم بمعاهدات لا سبيل إلى انتهاكها، فعاش المسلمون والمسيحيون واليهود جنباً إلى جنب في أجواء من التسامح، لم يسبق للعالم الممتد على سواحل البحر الأبيض المتوسط أن عرفه.

1
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"