مسارات الوديان

00:32 صباحا
قراءة دقيقتين

قبل سبع سنوات تقريباً، قدم وفد من أحد الأحياء السكنية، يضمّ نحو عشرة أفراد، يطالبون بعدم تحويل الأراضي الزراعية لقسائم سكنية وتوزيعها، كونها تقع في مناطق منبسطة ومساراتها معروفة للأهالي، مسارات للوديان في طريقها، ووافقت حينها الجهات المختصة، وفق ذلك الإلحاح والرفض على عدم توزيع الأراضي. واليوم بعد أن هطلت أمطار الصيف غير المتوقعة، غمرت تلك الأراضي بالمياه وتحولت مناطقها إلى بحيرات واسعة على مدّ البصر. 
 وصدق الأهالي في إلحاحهم على عدم السكن في تلك المناطق التي كانت زراعية، واختارها الأجداد تلو الأجداد للزراعة، لخصوبة تربتها ومرور الوديان حولها، وصدق المثل الشعبي الذي قال «لو بطيت عنك دهر لا تبني بالوادي مدر»، الذي يحذر من البناء في الوديان، حتى لو تأخر سقوط الأمطار، وحتى لو كانت الأراضي منبسطة ومهيّأة للبناء، إلا أن نسبة تعرضها للخطر من الوديان القادمة من أعالي الجبال، لا يجعلها آمنة بتاتاً وغير مناسبة للسكن. 
 ومن حالات غرق المنازل وتحوّلها إلى برك للمياه، مهم جداً العمل على عدم تكرار تلك المحنة في كل المناطق، وتهيئة الوديان وتنظيف مساراتها بين الحين والآخر؛ والأهم من ذلك تصنيف مسارات الوديان بأنها أهم أساسيات منشآت البنية التحتية، وقبل تخطيط الشوارع، فشبكة تصريف مياه الأمطار رغم اختلاف أشكالها بين المدن والقرى، فإنها تتشابه في طبيعتها كإعداد مسارات للمياه في مناطق آمنة وبعيدة عن الطرق والمنازل، ولا بدّ أن يكون اتساع مساراتها يفي بالغرض، بحيث يسهل مرور الوديان إلى وجهتها للأراضي المنبسطة، ومن ثم نهايتها للبحر كما هو معمول به حالياً.
 وجيّدٌ لو تعاونت الجهات المختصة بعمل مسارات آمنة لمياه الأمطار، بحيث تكون نهايتها في الحفر والخنادق الكبيرة التي تكثر في عدد كبير من المناطق، وخلّفتها عمليات الحفر واستخدمت تربتها لعمليات البناء وغيرها، وتوجد أكثر تلك الحفر والخنادق حوالي المناطق الزراعية، لذلك تغذيتها بمياه الأمطار وتحويل مسارات الوديان لها، سيغذيان المياه الجوفية وفرصة لاستفادة أصحاب المزارع المجاورة لها من المياه المتجمعة فيها. 
 كما يمكن الاستفادة منها في حال جمّعت في تلك المساحات المهيّأة طبيعياً لاحتواء المياه، في استخدامات عدة تصلح لاستغلال المياه حتى لو بعد التجميع مباشرة. أما البناء في مسارات الوديان، ومواجهة الطبيعة، فلا تُحمد عقباه، ولا يمكن أن يكون خياراً موفقاً حتى لو استقر البناء لعشرات السنين، والساكن في مكان غير مؤمّن ويحتمل أن يكون في خطر، حتى لو كان بنسبة قليلة، يقلق ساكنيه أكثر من أن يطمئنهم في منازل العمر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"