ما لا تعرفه عن أصل التغذية الراجعة

21:42 مساء
قراءة دقيقتين

د. راسل قاسم
اكتسب مفهوم التغذية الراجعة أو التغذية العكسية شهرةً كبيرةً في مجالات الإدارة والممارسات المهنية. وهو - اختصاراً- طريقة لمعرفة إذا ما حققت غايتك من فعل قمت به، بأن تحصل على معلومات حول ذلك، فتستخدمها للتوثيق أو للتحسين أو لاتخاذ إجراءات مناسبة.

هناك تصنيفات متعددة للتغذية الراجعة، فترى التصنيف على حسب الهدف منها كالتقييم أو التوجيه، أو على حسب من يقوم بتقديمها كأن تكون أنت أو شخص آخر أو مجموعة من الزملاء المحيطين بك، أو على حسب الطريقة التي يتم تقديمها بها كالتغذية الراجعة الشفهية أو الكتابية، أو حتى طبيعتها كالإيجابية أو السلبية، البنّاءة أو الهدامة.

اقتنعت - إلى فترة قريبة - بأن أصل هذا المفهوم يعود إلى النصف الثاني من القرن الثامن عشر أو بدايات القرن العشرين، عندما بدأ استخدام هذه الكلمة في علوم الهندسة الكهربائية وما يتعلق بدارات التيار الكهربائي، لتدل على عودة التيار أو بعضه إلى المكان الذي انطلق منه في الدارة، وأن هذا المفهوم قد شقّ طريقه بعد ذلك إلى علوم الإدارة والممارسات المهنية ليستقر في المخزون الفكري لأغلب المهنيين.

إلّا أنني مررت بالصدفة في إحدى قراءاتي على ما غيّر من اعتقادي هذا! يوجد في دماغ الإنسان نظام قديم جداً مهمته تحديث تقييماتك للعالم، يتكون من مجموعة من الخلايا الصغيرة في الدماغ المتوسط تتواصل فيما بينها من خلال مادة تسمى الدوبامين.

والدوبامين هو مادة تُفرز طبيعياً في جسم الإنسان يتم تصنيفها على أنها هرمون وناقل عصبي، ولها تأثير في الجسم بشكل عام وفي الدماغ بشكل خاص. وقد شاع تسميته لدى العامة «هرمون السعادة» ولكن دوره الرئيسي هو التحفيز ودفع السلوك نحو تحقيق رغبة محددة.

يقوم هذا النظام في دماغ الإنسان بالمقارنة ما بين توقعاتنا والواقع، وذلك من خلال بث إشارات عصبية تعيد تقييم النتيجة التي نحصل عليها من الأفعال التي نقوم بها. وهذا النظام قادر على تمييز ما إذا كانت الأمور قد سارت بشكل أفضل مما كان متوقعاً أم لا. في حالة كانت الأمور أفضل مما توقعناه فإن النظام يرسل المزيد من الدوبامين في الدماغ، أما إذا كانت الأمور أسوأ مما كان متوقعاً فيقوم بتخفيض إنتاج الدوبامين.

تقوم باقي أجزاء الدماغ بتعديل توقعاتها بناءً على مستوى الدوبامين الذي أفرزه هذا النظام، وتتعامل معه على أنه وسيلة لتحديد خطأ التنبؤ، فيعمل الدوبامين كمصحح للخطأ ويساعدنا على تحسين توقعاتنا وتقريبها من الواقع في المرات القادمة.

إذا ما تمعّنا في هذا النظام الفطري الموجود في دماغ الإنسان منذ آلاف السنين، سنرى أنه أصل التغذية الراجعة، وما يميزه أنه يعمل بسلاسة وهدوء، وباستمرارية تدعو إلى الدهشة والتأمل. كما أنه لا يكل ولا يمل من التكرار والبناء على التجارب السابقة، بهدف تحسين قدرة الإنسان على فهم الواقع واتخاذ قرارات أفضل.

إذا ما سألك أحدهم عن أصل التغذية الراجعة، فيمكنك أن تجيب بكل ثقة: دماغي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc49rjr8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"