الخاسر والرابح في الحرب الأوكرانية

00:53 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

مرت أكثر من ثمانية أشهر على اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، ورغم ذلك، لم تظهر بعد مؤشرات تفيد باقتراب وقف هذه الحرب المكلفة. ذلك أن الطرفين الروسي والأوكراني مصرّان على موقفيهما، بصورة تعقّد الوضع.

تصّر روسيا على تحقيق أهدافها المعلنة والمضمرة داخل أوكرانيا، بالحرص على تدمير البنى التحتية العسكرية لهذا البلد الذي كان حتى وقت قريب جزءاً من الاتحاد السوفييتي، وضمان حيادها العسكري بعدم الانضمام لحلف شمال الأطلسي. فيما تؤكد أوكرانيا خيار المقاومة والدفاع عن ترابها ورفض الأمر الواقع. أما الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة، فقد فرضت من جانبها - ودون جدوى- مجموعة من العقوبات الاقتصادية والسياسية على روسيا، كسبيل لدفعها إلى وقف العمليات العسكرية.

ومع مرور الوقت، تُطرح الكثير من الأسئلة حول ما إذا كان العمل العسكري الروسي محسوباً، حققت معه موسكو بعض المكاسب، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مغامرة ل«استعراض العضلات»، تورطت معها في مستنقع يصعب الخروج منه؟ كما يطرح السؤال كذلك، حول الجهات المستفيدة وكذا الخاسرة من هذه العمليات بمنظور استراتيجي؟

إن مراهنة روسيا على نهج القوة العسكرية في حسم خلافاتها وتحقيق أهدافها، هو عمل يظل غير مشروع من منطلق القانون الدولي الذي يحرم اللجوء إلى القوة أو مجرد التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، كما أنه يمثل ضربة للسلم والأمن الدوليين. ولذلك فالأمم المتحدة على رأس الجهات الأكثر تضرراً من هذه العمليات لكونها ظلت عاجزة عن التحرك لوقفها، وتحديد المسؤولية الدولية تجاه العمل العسكري الروسي.

رغم المساعدات الاقتصادية والعسكرية الهائلة التي تلقتها أوكرانيا من قبل عدد من الدول الغربية، ما جعلها تُربك تحقيق أهداف العمليات الروسية بشكل ملحوظ، فإنها - أوكرانيا - تلقت خسائر ضخمة على المستويات البشرية والعسكرية والاقتصادية، بل كلفها الأمر تدمير بنيتها التحتية، واستقطاع أجزاء من ترابها لفائدة روسيا.

كما تعد الدول الأوروبية من ضمن أكبر الخاسرين أيضاً، فقد كلفتها العقوبات المفروضة على روسيا إمكانيات وفرص اقتصادية كبيرة، بفعل الأوراق التي تملكها روسيا فيما يتعلق بالغاز والنفط الذي أثر بشكل كبير وملحوظ في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لعدد من دول القارة، كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا وبريطانيا. كما أن استمرار هذه العمليات سيزيد من تعميق هذه المشكلات، فيما ستجد هذه الدول نفسها أمام تدفقات بشرية هائلة بفعل تدهور الأوضاع الأمنية داخل أوكرانيا، بل إن كثيراً من المراقبين والباحثين، لا يخفون تخوفاتهم من إمكانية استغلال الجماعات المسلحة للأوضاع الأمنية المتدهورة داخل أوكرانيا لأجل تنفيذ أجنداتها وتجنيد وتدريب مقاتليها، ما يهدد الأمن الأوربي عامة بشكل جدي.

أما الولايات المتحدة فيظهر أنها على رأس قائمة المستفيدين، فهي وبحكم وزنها داخل حلف شمال الأطلسي، وبعدها الجغرافي عن المنطقة، تبقى غير معنية بالانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للحرب، بل إنها ترى في الحرب مناسبة لبسط هيمنتها من جديد على أوروبا، والحد من تصاعد أدوار دولها على المستوى الدولي بما يضمن تعزيز مكانتها كزعيم للنظام الدولي الراهن. فقد استطاعت أن تعيد القوة لعلاقاتها الاقتصادية والسياسية مع حلفائها الأوروبيين بزعم التهديدات الروسية، وتصوير روسيا كخطر حقيقي، بما يهدد الأمن الأوربي والعالمي، فيما تمكنت أيضاً من إعادة حلف شمال الأطلسي إلى الواجهة كإطار يعزز الأمن المشترك لأعضائه، بعدما تزايدت القناعة لدى الأوروبيين خلال السنوات الأخيرة بضرورة إرساء نظام أمني أوروبي مستقل عن الولايات المتحدة.

ورغم الخسائر العسكرية التي تكبدتها روسيا، فإنها نجحت إلى حد كبير في تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، في علاقة ذلك بفضح نقائص وسلبيات النظام الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة منذ بداية تسعينات القرن المنصرم، وبعث رسائل صارمة إلى حلف الناتو بكونها - روسيا - لن تسمح له بالتموقع على حدودها.

ومن جانب آخر، وبالموازاة مع هذه العمليات، تعززت العلاقات الصينية – الروسية بشكل ملحوظ، حيث عبَّرت الصين عن تفهمها لخلفيات ودوافع التحرك العسكري الروسي داخل أوكرانيا، فيما تضاعفت صادرات روسيا من الطاقة نحو بكين، وهو ما يؤشر لتفاهمات استراتيجية قد تسهم في خلخلة النظام الدولي الأحادي القائم.

ويعتبر الكثير من الباحثين أن هذه المحطة، ورغم تأثيراتها السلبية الملحوظة على اقتصادها، فإنها تمثل فرصة ذهبية بالنسبة للصين، للاستئثار بمكانة وازنة في النظام الدولي إلى جانب روسيا والولايات المتحدة طبعاً، وبخاصة أنها تمكنت خلال السنوات الأخيرة من تحقيق مجموعة من المكتسبات الاقتصادية، علاوة على تطوير قدراتها العسكرية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/n7tb7jdu

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"