سباق تسلح

00:59 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

يبدو أن سخونة الجبهات العالمية، دفعت العديد من الدول التي خرجت من رحم الحرب العالمية الثانية مثقلة بالهزيمة، كألمانيا واليابان، إلى التخلي عن النهج السلمي والانتفاض على الاتفاقيات التي كبلتها، والجنوح إلى التسلح وتطوير جيوشها، بعدما حصرت نفسها في السابق بالتركيز على التطوير في المجالين الاقتصادي والتكنولوجيا المدنية فقط. فالعسكرة التي تأججت في الآونة الأخيرة أثارت حفيظة الكثير من الدول، وأصبحت مضطرة إلى تطوير قدراتها للدفاع عن نفسها في ظل هذه المتغيرات المتسارعة، التي لا تبشر بخير على المدى المنظور.

جبهات مشتعلة وأخرى على وشك الانفجار ترددت تبعاتها على القارة الأوروبية في بادئ الأمر، خصوصاً بعد الحرب الروسية - الأوكرانية، حيث ترى القارة فيها تهديداً خطِراً على استقرارها، فقادتها يتشككون في نوايا موسكو وطموحاتها، التي تتجاوز برأيهم أوكرانيا لتشمل دولهم، لذا فإنهم لجأوا مؤخراً إلى اعتماد سياسات تسليحية جديدة، بعدما نفدت مخزونات أسلحتهم جراء مد أوكرانيا بها، فالحرب أظهرت ثغرات عديدة، كان لا بد من معالجتها عبر زيادة الإنفاق العسكري، وتحديث الجيوش.

لكن ألمانيا كانت أكثر حرصاً في هذا الشأن، فالمستشار الألماني، أولاف شولتس قال: «إن برلين ستسلح جيشها حتى يتمكن من الدفاع عن ألمانيا وشركائها ضد كل التهديدات»، وشدد على أن «شركاء الناتو في شرق أوروبا يمكن أن يعتمدوا على ألمانيا، التي تعيد تسليح جيشها؛ بحيث تتمكن من الدفاع عن نفسها وعن الحلفاء ضد الهجمات المستقبلية»، في إشارة ضمنية إلى أي تحركات روسية. وهذا تحول جوهري انتهجته برلين التي لا تمتلك سوى 200 ألف جندي فقط، بعدما كانت غير مبالية في التشجيع على التجنيد في العقود الثمانية الماضية، وانتهاجها مبادئ في غالبها مناهضة للنزاعات.

وكما ألمانيا، سارت أيضاً اليابان؛ إذ اعتمدت أكبر إصلاحات دفاعية منذ عقود، تتضمن رفع الإنفاق وإعادة تشكيل قيادتها العسكرية، وحيازة صواريخ جديدة، سعياً للتصدي للخطر الذي تمثله على وجه الخصوص الصين، والتصدي للتهديدات الكورية الشمالية التي لا تتوانى في إجراء تجارب على صواريخها البالستية، وتتحضر لتجربة نووية سابعة، كما أن طوكيو على علاقة سيئة بموسكو، لذا لا تأمن جانبها مستقبلاً، لتلجأ أخيراً إلى إعادة رسم المشهد الدفاعي في بلد لا يعترف دستوره العائد لما بعد الحرب العالمية، رسمياً بالجيش، فرئيس الحكومة فوميو كيشيدا قال: «إن تعزيز قدراتنا الدفاعية بشكل أساسي هو التحدي الأكثر إلحاحاً في هذه البيئة الأمنية القاسية». وأضاف: «سنقوم بتعزيز قدراتنا العسكرية بشكل عاجل، في السنوات الخمس القادمة».

سباق التسلح، يعيد المشهد إلى السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، بعدما لجأت بعض الدول إلى التنصل من الاتفاقيات لدعم ترسانتها، وعلى وجه الخصوص ألمانيا، لتندلع بعدها الحرب الطاحنة. لذا وعلى الرغم من اختلاف الكثير من التفصيلات بين الماضي والحاضر، فإن العالم في ظل التصعيد الذي لم يُشهد له مثيل منذ زمن بعيد، قد يكون مقبلاً على حرب لا تبقي أو تذر إذا لم يتم اختيار التعقل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfwa56y

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"