عادي

محو الأمية الفكرية

23:01 مساء
قراءة 7 دقائق
1

استطلاع: نجاة الفارس

قدم عدد من الكتاب والأكاديميين مقترحات لتعزيز اللغة العربية، أهمها محو أمية الشلل الفكري في الاعتقاد بدونية اللغة العربية أمام غيرها من اللغات، والبدء من صفوف التعليم التي يقبع فيها الإنسان مدة طويلة من عمره، فهي الأجدر في تكوين شخصيته اللغوية، كما أكدوا على دور الأسر في غرس عظمة هذه اللغة في نفوس أبنائها، واعتماد اللغة العربية في كل تعاملاتنا وحياتنا، وأن يتم تجنيد جيش من المترجمين ليحولوا لنا ما نحتاج إليه من علوم إلى اللغة العربية، يساندهم جيش آخر من الخبراء باللغة العربية في مجامع اللغة العربية لمعالجة مشاكل النقل والترجمة وتوحيد المعايير، وأن ترافق ذلك قوانين صارمة وقوية للتنفيذ والتطبيق.

أضافوا الكتاب والأكاديميون ل«الخليج» أن الفلسفة المعاصرة من خلال ترجمتها والتفاعل معها يمكن أن تسهم في تعزيز اللغة العربية والنهوض بها، أسوة بما صنعه الأجداد مع الفلسفة القديمة، كما دعوا إلى تأسيس منصات إلكترونيّة تُعنى باللغة العربيّة وتكون مجانيّة ومتاحة لجميع فئات المُجتمع، وتخصيص أيام مُحددة خلال العام الدراسي للحدُيث باللغة العربيّة الفُصحى، ثم تأسيس هيئة مسؤولة عن تحديث اللوحات الإرشادية والإعلانيّة لتعديل كافة الأخطاء الإملائية واللغوية الّتي تتضمنها، وتخصيص امتحان عالمي للغة العربيّة على غرار امتحان «الآيلتس» في اللغة الإنجليزيّة، وإنتاج مسلسلات باللغة العربية الفصحى، ثم تنظيم مهرجان سنوي للغة العربية بمشاركة كافة أفراد المجتمع، وطرح ورش مجانية للخط العربي والقراءة، والتدريب العملي على فنون الشعر والأجناس الأدبية الأخرى.

أخطر النعم

تقول الدكتورة مريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية: «اللغة أخطر النعم، ومع عصر ثقافة الشاشة اتسعت درجات استخدام اللغة لتكون مظهراً كونياً يشترك فيه الكل مع الكل – كما يقال، ولم يعد محدداً في بيئة تواصلية مؤطرة، وإن أهم مظهر حضاري وهو البحث والجهد الكتابي يتميز بارتباطه دائماً باللغة، فالأدب يتميز بعناصر تميّزه عن غيره من أنواع الكتابة، ومنها اللغة، وهي نشاط اجتماعي قد يقصد به أحياناًَ أهم ما تتطلبه الحياة اليوم؛ إقامة الود وصيانة اللغة ضرورة ومدخل أساس لصيانة وحفظ الهوية الحضارية والثقافية، واللغة العربية لغة حضارة عظيمة؛ ولذا تسابق أهل اللغات الأخرى لتعلمها، والأهم من كل ذلك هو أن يكفيها فخراً أنها ربانية السمة، واختيرت لتكون آخر اللغات السماوية المنزلة، وبها يتم توحيد من يعتنقها في لغة تمثلهم وهو ما يعطي ذلك الانتماء الروحي الذي يسعى إليه أغلب البشر، وكما يعمد أصحاب اللغات إلى حفظ لغاتهم ضمن الخريطة الجيولغوية وجب على أهل اللغة العربية كذلك، وخاصة الآن ونحن أمام هذا الزخم التكنولوجي الذي يحاول فرض ثقافات لغوية معينة بعيدة عن العربية الصحيحة ك«الفرانكو أربي والعربيزي» ولا أجد بداً من محو أمية الفوضى ومحو أمية الشلل الفكري في فكرة دونية اللغة العربية أمام غيرها من اللغات، والبدء من صفوف التعليم التي يقبع فيها الإنسان مدة سنوات طويلة من عمره».

مثلث الهوية

الدكتور وسام مصلح خبير مكتبات ومعلومات، يقول: لم يكن يتخيل أحد بأننا سوف نصل في يوم من الأيام إلى أن نشغل تفكيرنا بكيفية تعزيز لغتنا والتي هي الركن الثالث في «مثلث الهوية» مع الدين والثقافة، فما الإنسان إلا عبارة عن لغة ودين وثقافة، وهذا ما يسمى «بمثلث الهوية»، فإذا افتقدنا أحد هذه العناصر سوف نفقد كل شيء، وأُمُنا العربية اليوم تعاني عقوق أولادها وأهلها قبل غيرهم، وهم أنفسهم من ضربها في مقتل وذلك حينما تم وضعها في دار العجزة وتم إقصاؤها وتهميشها عن كل مناحي حياتهم، وذلك كله لعدة ذرائع منها أن اللغة العربية ليست مواكبة للغة العلم والعالم الحديث، أو صعوبة التعامل معها كتابة ولفظاً، واعتبار اللهجات العامية بديلاً مناسباً وسهلاً عن الفصحى في المحادثات اليومية، وكل هذه الذرائع يمكن نقضها ببعض الأمثلة الموجودة حالياً في أمم ليست ببعيده عنا، وسنجد أنهم تمسكوا بلغتهم ولم يثنهم ذلك على أن يكونوا من أوائل العالم في الابتكار والصناعة والاقتصاد وفي كل المجالات، وبالتالي انعكس هذا الإقصاء على القطاعات التعليمية والإدارية والاقتصادية والمجتمعية، وصرنا بحاجة أكثر لأفكار ومقترحات لكي نعيد اللغة العربية كلغة أم ولغة أولى بمعنى الكلمة، حقيقة الجهود المبذولة كبيرة جداً وعدد المناصرين للغة العربية يفوق أعداد المعارضين، والمقالات والدراسات والبحوث والكتب والمجلات التي كُتبت وتكتب في هذا المجال حدث ولاحرج، والأشعار والأغاني التي تُليت تثير كل المشاعر والحواس، ولكن كل هذه الجهود سوف تصطدم بصخرة كبيرة تدعى «عدم توحيد الجهود»، كل ما نحتاج إليه الآن هو أن نبدأ بدون خوف باعتماد اللغة العربية في كل تعاملاتنا وحياتنا دون تأخير، وأن نتبع ذلك بكل الأدوات اللازمة للاستمرارية بدون تعطيل بأن يتم تجنيد جيش من المترجمين ليحولوا لنا ما نحتاج إليه من علوم إلى اللغة العربية، وأن يساندهم جيش آخر من الخبراء باللغة العربية في مجامع اللغة العربية لمعالجة مشاكل النقل والترجمة وتوحيد المعايير، وأن ترافق ذلك قوانين صارمة وقوية للتنفيذ والتطبيق، والاهتمام بقطاع التعليم في كل مراحله فهو اللبنة الأساسية لتلقي كل هذه الجهود.

الفلسفة

الدكتور إبراهيم بورشاشن مدير مركز الدراسات الفلسفية في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، يقول:«باعتباري متخصصاً في الفلسفة سأحاول أن أقارب موضوع تعزيز اللغة العربية من وجهة نظر فلسفية، فقد ظلت اللغة موضوعاً أثيراً للفلسفة، وأعتبر أن هذه العلاقة التليدة عززت من لغتنا العربية، وهي كفيلة دوماً بتعزيزها والإسهام في تألقها، والنهوض بها، وأن أهم مقترح، أقدمه على صفحة الخليج الغراء، لتعزيز دور اللغة العربية هو ربطها بالنظر الفلسفي، وهو ما أحاول بيانه بعجالة شديدة، فالإجابة عن الأسئلة الفلسفية التي تطرح على اللغة كفيل بإثراء اللغة التي هي «أعظم الموضوعات كلها» كما يقول أفلاطون».

ويضيف، يعتبر أفلاطون مدشن التفكير الفلسفي في اللغة في محاورته «كراتيلوس» التي جعل موضوعها أصل اللغة والأسماء، وهي المحاورة التي عرفها المسلمون كما يبدو من وصف الفارابي الدقيق لها، وقد أسهمت هذه المحاورة في تطوير الدرس اللغوي عند العرب، كما بين ذلك المستشرقون والعرب، من خلال تجربة جابر بن حيان مؤسس المصطلح الفلسفي العربي على ما يتبين من «رسالته في الحدود» والتي تعد أول معجم مبسط للألفاظ الفلسفية في التاريخ الفلسفي العربي، وكذا تجربة الكندي، حيث نجد دلالات جديدة على اللغة العربية لكنها تضعها في عبارات عربية فصيحة، حتى تتضح صورتها لكل من يقبل على دراسة الفلسفة، لأن فهم المصطلحات هو المدخل الأول للعلوم، لكن المؤسس الحقيقي للمصطلح الفلسفي العربي هو أبو نصر الفارابي، فنحن مع الفارابي أمام لغة فلسفية دقيقة بألفاظها الدالة على معانيها الأكيدة، فقد أسهم الفارابي في خدمة اللغة العربية خدمة جليلة عندما خلع عليها الثوب الفلسفي الكوني، فنقلها من لغة محلية إلى لغة عالمية يقبل عليها دارسو الفلسفة في جميع أصقاع العالم، لقد بلغ النثر العربي الفلسفي أوجه مع أبي نصر الفارابي، ومعه أصبحت اللغة العربية لغة فلسفية بالفعل، ومن هنا يمكن أن تسهم الفلسفة المعاصرة من خلال ترجمتها والتفاعل معها في تعزيز اللغة العربية والنهوض بها، أسوة بما صنعه الأجداد مع الفلسفة القديمة، خاصة أن لغتنا اللغة العربية انتقلت على أيديهم من لغة فلسفية بالقوة إلى لغة فلسفية بالفعل.

امتحان عالمي

الكاتبة منى عبد الله، تقول:» اللغة العربية ركن في التّنوع الثّقافي للبشريّة وإحدى اللغات الأكثر انتشاراً في العالم، و هي لغة مُقدسة ( القرآن الكريم )، وضمن رؤية الإمارات في العناية باللغة العربيّة وبذل الجُهود للحفاظ عليها، فقد أخذت الدولة على عاتقها النُّهوض بلغة الضّاد عبر استراتيجية عمل متكاملة تشترك فيها معظم المؤسسات التّعليميّة والثّقافيّة، ومن أبرز ما قامت به الإمارات لتعزيز مكانة اللغة العربيّة، تأسيس المجالس الاستشارية للغة العربية، لتكون الدولة مركزاً للغة العربية في العالم، كما شكلت لجاناً لتحديث تعليم اللغة العربية على أيدي خبراء متخصصين يحدّثون المناهج التّعليميّة، وتم تخصيص جوائز ماديّة ضخمة لمُسابقات اللغة العربيّة على مُستوى العالم كمُسابقة تحدّي القراءة العربي، وكذلك تخصيص مُبادرة شهر القراءة، ومنح بعثات تعليميّة للطلبة الّذين يتفوقون بها، والكثير غير ذلك.

وتذكر، بصفتي فرداً إماراتيّاً عربيّاً غيوراً على لغته ولغة آبائه وأجداده، شغوفاً بحب تعليمها لأبنائه وأحفاده وأبناء وطنه، فإني أقترح بعض المُبادرات الّتي من شأنها رفع مكانة اللغة العربية والسّمو بها عالياً، لتبقى شامخة أمام أخواتها من اللُغات الأُخرى، على سبيل المثال، زيادة عدد معاهد اللغة العربيّة لغير النّاطقين بها في الجامعات الإماراتية، تنسيق التّعاون مع الجامعات حول العالم لإيفاد طلبة العلم لدراسة اللغة العربية في الإمارات، وزيادة الكليات التي تُعنى بالتّرجمة لما لها من دور في زيادة المصطلحات والمفردات اللغوية من اللغة العربية إلى اللغات الأُخرى وبالعكس، ثم تأسيس منصات إلكترونيّة تُعنى باللغة العربيّة وتكون مجانيّة ومتاحة لجميع فئات المُجتمع، وتخصيص أيام مُحددة خلال العام الدراسي للحديث باللغة العربيّة الفُصحى، وتجنب اللهجة العاميّة أو اللغات الأجنبيّة الأُخرى، ثم تأسيس هيئة تعليميّة مسؤولة عن تحديث اللوحات الإرشادية والإعلانيّة لتعديل كافة الأخطاء الإملائية واللغوية الّتي تتضمنها هذه اللوحات، وتخصيص امتحان عالمي للغة العربيّة على غرار امتحانات تُجرى للغات الأجنبيّة الأُخرى، كامتحان الآيلتس في اللغة الإنجليزيّة، وامتحان آخر يعمل به في اللغة الفرنسيّة».

مأزق

الكاتبة خيّة الحبسي، تقول: «واقع اللغة العربية في مأزق والأسباب عديدة، من أهمها اعتماد اللغات الأخرى في المؤسسات وبين الأفراد كوسيلة حديثة للتواصل، وإهمال اللغة العربية في خضم عصر التكنولوجيا الذي أدى لظهور صيغ ومفردات ولهجات، طمست اللغة العربية واعتاد عليها مستخدمو التكنولوجيا، لذا أقترح تنظيم ورش تدريبية وفنية في الفصول الدراسية لإتقان وإنتاج اللغة العربية، وكذلك إنتاج مسلسلات باللغة العربية الفصحى، ثم تنظيم مهرجان سنوي للغة العربية وإتاحة المشاركة به لكافة أفراد المجتمع، وطرح ورش مجانية للخط العربي والقراءة، والتدريب العملي على فنون الشعر والأجناس الأدبية الأخرى، من أجل جذب الجميع، وكي نحقق الهدف لابد من وجود الأدباء والمختصين باللغة العربية كمتطوعين في هذا المهرجان، لأن رسالة ومسؤولية تعزيز اللغة العربية تقع عليهم أولاً، مع الحرص على تعزيز مكانة الأدباء العرب في المجتمع، خاصة من يحمل منهم أفكاراً وأساليب مبتكرة للإنتاج الأدبي».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/24krawfc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"