فتش عن الوعي

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

في الوقت الذي يلملم فيه هذا العام أوراقه ليغادر، كان مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة ينعقد في نسخته الثانية على ساحل البحر الميت في الأردن.. ومن قبل كانت نسخته الأولى قد انعقدت في العاصمة العراقية في أغسطس/ آب من السنة الماضية.

وعلى الرغم من أن النسخة المقبلة ستنعقد في القاهرة خلال السنة القادمة، فإن المؤتمر سيظل يحمل اسم بغداد في عنوانه، وسيظل هذا العنوان وكأنه البوصلة التي تحرك المؤتمر من العراق، إلى الأردن، إلى مصر.

سيظل هذا العنوان بوصلة المؤتمر، لأن الهدف من وراء النسخ الثلاث وما بعدها، هو التركيز على فكرة استقرار الدولة العراقية، وأمنها، ثم وحدة وسلامة أراضيها.. وربما لهذا السبب كان «ترسيخ مفهوم الدولة الوطنية» شعاراً يرفرف في أجواء النسخة الثانية، وفي السنة الماضية كان حاضراً في أعمال النسخة الأولى، ومن المؤكد أنه لن يغيب عن النسخة الثالثة عندما تلتئم أعمالها في قاهرة المعز.

وليس من المبالغة في شيء أن نقول، إن معاناة المنطقة ومشكلاتها الحالية بدأت يوم غزا العراق الكويت، ثم يوم جرى إسقاط النظام العراقي الحاكم بالقوة في 2003.

وهذا موضوع كبير بطبيعة الحال، وتفاصيله كثيرة، وليس هذا مكانه في هذه السطور، لكن الدرس المستخلص فيه، أن استقرار بلاد الرافدين هو استقرار للمنطقة بأكملها، وأن شيوع الفوضى في أركانها، سيخصم من رصيد المنطقة.

لذلك.. لم تكن مصادفة أن يشهد العراق في الأيام السابقة على انعقاد المؤتمر هجوماً «داعشياً» على وحدة للشرطة العراقية، وأن يؤدي الهجوم إلى مصرع تسعة أفراد من الشرطة. وليس من المصادفة كذلك أن يتزامن ذلك مع مواجهة بين الشرطة الأردنية، وخلية إرهابية في محافظة معان جنوب البلاد، وأن تؤدي المواجهة إلى مقتل أربعة ضباط أحدهم برتبة عميد.

لم يكن هذا مصادفة من حيث توقيته الذي سبق المؤتمر بساعات، ولا كان مصادفة من حيث موضوعه الذي يستهدف الدولة التي يحمل المؤتمر اسم عاصمتها مرة، ويستهدف الدولة المضيفة للنسخة الثانية مرةً ثانية.. وفي الحالتين كان الهدف هو التشويش على المؤتمر، ومحاولة إفساده أو إفشاله.

ومن البدهي أن حضور مفهوم الدولة الوطنية وترسيخه، أمر لا يريح «داعش»، ولا يريح أي خلية إرهابية من نوع خلية الأردن، لأن هذا المفهوم يعمل على أن يكون الانتماء لدى كل مواطن في العراق، أو في الأردن، أو في أي دولة عربية سواهما، انتماءً إلى الدولة في كل حالة، وانتماءً إلى كيانها، وترابها، وأرضها، وجيشها النظامي، لا إلى جماعة ولا إلى ميليشيات فيها.

وإذا كانت الحال كذلك، فما أحوج هذه المنطقة من العالم إلى أن ينعقد فيها مؤتمر من نوعية مؤتمر بغداد كل يوم، لا كل سنة، ولا حتى كل شهر، لأن مفهوم الدولة الوطنية، يجب أن يكون هواءً يتنفسه الناس، ويجب ألا يغيب عن الحضور بيننا في كل الأوقات.

لقد عانت المنطقة منذ ما يُسمى ب«الربيع العربي»، كما لم يحدث أن عانت منطقة غيرها في أنحاء الأرض، وكان غياب مفهوم الدولة الوطنية بين الكثير من مواطنيها هو سبب معاناتها ولا يزال، وسوف تنتهي هذه المعاناة يوم يترسخ المفهوم في وعي كل واحد منا من دون استثناء، ويوم يكون مثل هذا الوعي هو القاسم المشترك الأعظم بين عواصم المنطقة.

فتش دائماً عن الوعي بين الناس، لأنه سلاح لا يخيب في قطع الطريق على الجماعات والميليشيات، وفي تمهيد الطريق ذاته أمام المواطنة كونها تعد مبدأ لا يفرق بين مواطن ومواطن على أي أساس.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ua2z4j2

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"