العرب وتحديات المستقبل

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

يصعب في ظل التباينات الحالية في أوضاع الدول الوطنية في العالم العربي، وضع العرب في سلّة واحدة، فثمة اختلافات كبيرة بين هذه الدول في مستويات نوعية عدة، أولها وأهمّها استقرار الدولة نفسها، فقد تعرّضت بعض الدول العربية إلى حروب واضطرابات، جعلت أنظمة الحكم فيها في حالة عدم استقرار؛ بل وضعتها في خانة المجهول السياسي، وربما الكياني، خصوصاً الدول التي تعاني تدخّلات عسكرية مباشرة في أراضيها، يبدو من غير الواضح، متى وكيف ستنتهي، وماذا سينتج عنها من تداعيات، في ظل صراعات إقليمية ودولية محتدمة منذ سنوات في المنطقة.

لكن، هذه الصعوبة الأساسية/ النوعية في عدم القدرة على وضع العرب في سلّة واحدة، لا تمنع من ناحية الجغرافيا السياسية، وأيضاً البنى الاجتماعية والثقافية، التي تتضمّن مشتركات عديدة، من تحديد أولويات عامّة للعالم العربي، نظراً للتشابك الكبير في مستويات عديدة لهذا العالم، والتي تجعل التحدّيات شأناً عاماً عربياً، إلى حدّ نسبي وجزئي، لكن على نطاق واسع، وهذه التحدّيات، لا تأتي فقط من الداخل، أي المجتمعات والأنظمة؛ بل أيضاً من المحيط الإقليمي، بشكل خاص، والدولي بشكل عام.

النظام العربي السياسي، أمامه تحدّيات كبرى، بشأن إعادة الاستقرار في الدول العربية التي تعاني اضطرابات وحروباً داخلية، وهو ما يعني البحث عن مقاربات واقعية لأزمات هذه الدول، وتوليد حلول سياسية ممكنة، فتحوّل بعض الدول العربية إلى دول فاشلة، سيبقي هذه الدول خاصرة رخوة للتدخّلات الخارجية، وتثبيت نفسها في المنطقة إلى أمد غير معلوم، أو تغيير الوقائع الديموغرافية والجغرافية (الحدود)، مع استمرار استنزاف مجتمعات هذه الدول، وتدمير ما بقي من مقوّمات وجودها، وبالتالي استمرار كل المشكلات القائمة من لجوء وفقر ونزاعات وتداعي البنى الاجتماعية والأخلاقية، ونشوء جيل من الأميين أو من ذوي التعليم المحدود والضعيف، وكل هذه الأوضاع هي أرض خصبة لاستمرار أو توليد ظواهر غير وطنية وغير إنسانية وراديكالية في الوقت نفسه.

من الناحية الاقتصادية، فإننا إذا استثنينا دول الخليج العربي، فإن معظم الدول العربية، بما فيها الدول المنتجة للطاقة، تعاني أزمات اقتصادية بنيوية، ليست كلها من منشأ اقتصادي محض؛ بل إن معظمها له أسباب سياسية وتشريعية، تحدّ من التفاعلات الاجتماعية المولّدة للاقتصاد، خصوصاً لجهة التنافس بين نفوذ النخب السياسية وتطلّعات النخب الاقتصادية، ما يجعل من اقتصاد الظل إحدى السمات البارزة لاقتصادات هذه الدول، وهو اقتصاد غير مراقب من قبل الدولة، وغير خاضع للضرائب من قبل المؤسّسات المعنية، ما يحرم خزينة الدولة من عوائد مالية كبيرة، وفي الوقت ذاته، يزيد من ثروات فئة قليلة من الأفراد، بطرق مواربة وغير شرعية.

أثبتت التجارب المبنية على هيمنة قوية للدولة على الاقتصاد، أو غياب التفاعل الضروري بين الاقتصاد الحر والدولة، أنها تجارب فاشلة على المدى البعيد، وقد تخّلت الكثير من الدول عن هذا النمط من إدارة الاقتصاد، لكن العديد من الدول العربية، لا تزال تعمل وفق هذا النمط، ما يجعل من البيئة الاقتصادية طاردة للاستثمارات، وهذه الحالة، عبر نتائجها الكارثية على البنى الاقتصادية، تسهم بشكل مباشر في زيادة أعداد العاطلين عن العمل، الذين يتحوّلون إلى عبء على أنفسهم وعلى المجتمع، وتدفع بهم للبحث عن أوطان بديلة، وهو ما تظهره الأرقام المرعبة لأعداد الشباب المهاجرين بطرق غير شرعية في السنوات القليلة الماضية.

وإذا كان الواقع الاقتصادي للقسم الأكبر من العالم العربي يعاني خللاً بنيوياً، فإن قطاع التعليم ليس بأفضل حال، ليس لأن العديد من الدول فشلت في تحقيق طموحاتها في محو الأمية، ومنع تسرّب مئات الآلاف من الطلاب والطالبات من المدارس؛ بل لأن منظومة التعليم نفسها لا تحظى بالاهتمام المطلوب، خصوصاً لجهة معدّلات الإنفاق الحكومي على التعليم في مراحله المختلفة، أو تجديد الرؤية التعليمية والتربوية لتواكب مستجدّات العصر، وتأهيلها لتكون حاضنة رئيسية للبحث العلمي، الذي لا يحظى هو الآخر بميزانيات معتبرة، لهيكلته وجعله فاعلاً في تقديم حلول علمية وتكنولوجية واقتصادية لمشكلات مجتمعه.

إن هذه التحدّيات، من شأنها أن تتحوّل إلى عقبات مزمنة في وجه مستقبل مجتمعاتنا ودولنا، لكن إمكانات التعامل معها، وإيجاد حلول لها، وتحويلها إلى فرص، رهن عمليات تحوّل أساسية في النظر إلى الواقع، وإلى إرادة مطلوبة للشراكة مع المجتمع الإنساني العام، ليس من بوابة الاستهلاك، وإنما من بوابة الإنتاج.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdeu5vyp

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"