أواصر الإعلام والثقافة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

ما رأيك في أن ندحرج كرة القياس نحو مزيد من المقايسة، في ملاعب الفكر والثقافة والإعلام؟ سننطلق من نقطة لا يختصم فيها العقلاء، ولا ينتطح فيها المجانين. هل من شك في أن الموسيقى العربية كانت صرحاً من جمال فذوى، فهوى، فغدا مثل هباء في الهواء؟ كيف كانت الساحة الفنية بين العقدين الثاني والسادس الماضيين؟ هل كان لتلك المستويات الأوْجيّة علاقة عضوية، بقمم أخرى موازية ذروويّة، في الفكر والأدب والنقد والإعلام؟

الانهيارات الثقافية تستدعي أقصى الجدّ في البحث، وأقسى الأحكام في التقويم، عند التنقيب عن أسباب السقوط الحرّ والهبوط المرّ. لقد حدثت الانهيارات حين فصمت العرى بين الفكر والثقافة والإعلام. في الغرب قبل الشرق، حينما انبلج فجر الصحافة مبشّراً بمولد الإعلام، كانت الأقلام أقلام الأدب. في أغلب الأحيان، كان الأدباء يحملون رسالة إعلامية، وكان الإعلاميون لا يخلون من مهارات قلمية ونفَس أدبي. للعالم العربي روائع: رفاعة الطهطاوي، وهو من أهم رموز الاستكشاف الحضاري، طليعة للإعلام الاستشرافي الحضاري، ولكن بنفَس أدبي بلاغي راسخ ضارب في الجذور منذ العنوان: «تخليص الإبريز.. في تلخيص باريز»، انظر اللعب بالكلمات. أهل السذاجة وأخبار الحمقى يرون أن السجع «دقّة قديمة»، وعودة حليمة.

أسرار تلك الحقبة المزدهرة. تكمن في أن الفكر والثقافة والإعلام كانت بينها أواصر حميمية وصلات رحم. تأمل الرسالة الإعلامية المغلفة بالإصلاح الاجتماعي. في مجال تحرير المرأة، لدى المصري قاسم أمين والتونسي الطاهر الحداد، في الأدب والنقد والتربية والتعليم. كان طه حسين والعقاد والزيات والمازني وميخائيل نعيمة، ونخبة من المفكرين الرواد في الجمع بين الفكر والثقافة والنقد والإعلام، من زكي نجيب محمود إلى محمد أركون ومحمد عابد الجابري. قد تكون هذه المقاربة غريبة، لكونها تعجيزية في طريق الوصول إلى الإعلام، في حين يتوهم المتساهلون أنه بمجرد الجمع بين الفعل والفاعل والمفعول، يتسنّى المأمول. لكن الإعلام من دون فكر ورأي أعمى، وإذا لم تتجاوب الأركان والدعائم لم يستقم البناء. ما يميز الساحات الإعلامية في الغرب عن سلق البيض في العالم العربي، هو الحفاظ على جانب من الأصالة المتمثلة في المرحلة البنيوية، عندما يولد الإعلام من رحم الفكر والأدب. بعبارة قد تكون جارحة: حين تكون اللغة هزيلة، فالبرهان قاطع: «الشيء من مأتاه لا يستغرب».

لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: نعود إلى مقولة القلم، ثلاثي العين واللام والميم فيه العلم والتعليم والإعلام والمعلوماتية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/8xw6y27p

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"