عادي
ثلاثة عروض تمزج بين متعة الفرجة وإعمال العقل

السينوغرافيا بطلة المؤتمر الفكري لمهرجان المسرح العربي

13:25 مساء
قراءة 5 دقائق
مشهد من عرض أنا الملك
مشهد من عرض خلاف

الدار البيضاء : محمد إسماعيل زاهر

تواصلت، الأربعاء، فعاليات الدورة الثالثة عشرة من مهرجان المسرح العربي في مدينة الدار البيضاء المغربية، وشهدت وقائع المهرجان انطلاق مؤتمر فكري يبحث في مفاصل التجربة المسرحية المغربية، تاريخها وراهنها، وما يمكن أن تقدمه للغد وذلك بمشاركة 50 من أبرز الأكاديميين والمتخصصين في المفاصل المختلفة لـ«أبو الفنون». واستضافت خشبة مسرح محمد زفزاف العرض التونسي «أنا الملك»، ومسرح «مولاي رشيد» العرض العراقي «خلاف»، ومسرح محمد السادس العرض المغربي «حدائق الأسرار»
بدا لافتاً في المؤتمر الفكري الهم الجمالي الذي هيمن على الأوراق المشاركة وعلى نقاشات المتداخلين والباحثين، وتطرق اليوم الأول من المؤتمر إلى تجربتين مغربيتين مميزتين في السينوغرافيا، الأولى للمخرج يوسف العرقوبي، والذي يقترح في تصميماته ما يمكن أن نسميه بـ «السينوغرافيا متعددة الأغراض الوظيفية» للوصول إلى الشكل المطلوب، وإلا تحولت إلى استخدامات أخرى لا تلائمها. ولتأمين قيام السينوغرافيا بوظائفها، ينطلق العرقوبي من تحليل النص المسرحي واستخراج الأماكن الدرامية التي يتضمنها وإيجادها في تصوره الخاص، ويسعى في ما بعد إلى تحقيقها في شكل رسوم على الورق لمعرفة مدى جدوى تلك الصور المتخيلة، قبل أن ينتقل من الفكري إلى التطبيقي، وما يصحب ذلك من متغيرات يصوغها في نسق واحد.
يجمع العرقوبي كل المعطيات حول تصوره السينوغرافي وما يستوجبه الانتقال من الخيالي إلى المحسوس، ويسعى إلى أن يخلق منها وحدة متوازنة تجعل من السينوغرافيا المقترحة الأنسب، لاحتواء نص العمل ككل بما أنه مكلف بالتعبير التشكيلي عن الوسط الذي تعيش فيه الشخصيات، بعد أن يطلع على المكان المسرحي الذي سيحتوي العرض ويدرس كل خصائصه.
المهم عند العرقوبي هو أن يؤدي التصميم السينوغرافي الوظائف المطلوبة بصورة عامة، والمسرح بالنسبة له هو فضاء تعيش فيه الشخصيات تتكون في ما بينها علاقات وثيقة، تكسب العرض نظاماً ومعنى لعالم الأفعال والأحداث الدرامية، وتوظيفه في خدمة الخطاب المسرحي، حتى يستطيع العرض أن يصل برسالة واضحة إلى الجمهور.

  • التواصل مع الجمهور

التجربة الثانية كانت للباحث والسينوغرافي طارق الربح، والذي قدم شهادة عن تجربته قال فيها: «لقد أصبح الانتماء للسينوغرافيا في بلادنا مسألة عمل عن قناعة، واشتغال باجتهاد وجدية، وتميز عن جدارة واستحقاق. ولذلك حرصت دائماً، وما زلت، على أن تكون السينوغرافيا في صدارة اهتماماتي المهنية، الفنية منها والعلمية. وحاولت باستمرار أن أسخر كل جهودي، النظرية والتطبيقية، لخدمة مهنتي الأساس، ألا وهي السينوغرافيا. لقد كانت لدي قناعة راسخة ودائمة أنه لا يمكن للمسرح الناطق بالعربية أو اللغات المغربية المحلية، من أمازيغية بكل تلويناتها، وحسانية ودارجة، أن يتواصل مع جمهوره المحلي المتعدد ومع العالم، ويحقق الإشعاع المطلوب، بأفكار النص فقط، أو بالاقتصار على الأداء الجسدي واللفظي، فالمسرح أكثر من تشخيص وخطابة: هو أشكال نشكلها، وألوان ننسقها، وأحجام نركبها ونرتبها، وصور نرسمها، باستخدام التقنيات والآليات اللازمة، وبتسخير التكنولوجيات الأكثر تعقيداً إن اقتضى الأمر ذلك. لننتج رؤانا الفنية الخاصة للمسرح وللوجود، ونشاركها مع الجميع».
ويتابع بالقول: «لذلك كان لا بدّ من الاشتغال على عدة صعد إبداعية وتنظيمية لتحقيق الجودة لمسرحنا العربي، وترتبط معظم هذه الصعد بالإبداع السينوغرافي. فقد شكّلت الدراماتورجيا دائماً، إطاراً مفاهيمياً غنياً وملهماً للمسرح، ومحفزاً له نحو التجدد والتواصل بأساليب مبتكرة، لتحقيق الإبهار والإمتاع والإقناع».
يؤمن الربح بأن السينوغرافيا، تجاوزت، في وقتنا هذا، كل الحدود، وانفتحت على مجموعة من العناصر الجمالية الحديثة والمتطورة لجعل المسرح فرجة كونية، يبدعها الجميع ويفهمها الجميع. ويقول: «نحن اليوم، في اجتهاداتنا المتواصلة، نعمل باستمرار على استثمار أحدث التقنيات والتكنولوجيات لتحقيق فرجة أصيلة في عمقها ومشهديتها. فالسينوغرافيا هي جسد العرض الحي، والتجسد المادي لأفكاره وأخيلته وأحاسيسه. وهي أيضا معيار ملموس لمدى تطور المسرحي، وتكامل شقه الأدبي بشقه الفرجوي، فالمسرح فن مشهدي وخطابي في الآن ذاته. ويقول يوجين يونيسكو في هذا الصدد:«لا يتعلق الأمر بالكلام فقط، فالمسرح بصري بقدر ما هو سمعي».

  • مذاق خاص

وجاءت عروض اليوم الثاني من المهرجان بمذاق فكري، يوظف الرمز أحياناً ليترك للمشاهد مساحة للتأويل، أو يقول كل ما يود صانعو العرض طرحه على المتلقي مباشرة. ينتمي العرض التونسي «أنا والملك» وهو معالجة جديدة لنص«الملك أوديب» لتوفيق الحكيم وإخراج معز حمزة لفرقة سالمين للإنتاج، إلى النوع الأول، هذا العرض ارتكز على ثيمتين أساسيتين، الأولى تلك المدينة التي يستعد أهلها للرحيل عنها مع انتشار مرض الطاعون، والثانية أسطورة أوديب بكل خلفياتها التي يعرفها عشاق المسرح، ويدخل المشاهد في هذا العرض في لهاث ذهني، حيث يحاول أن يجد الرابط بين الفكرتين، يتزايد هذا اللهاث مع حوارات تدور بين خمسة أشخاص، أبطال العرض، منها ما هو سياسي واجتماعي، ومنها ما يدفع إلى التأمل والتفكير. وبين الطاعون وخطيئة أوديب يرسم العرض صورة متشائمة لسكان تلك المدينة التي تهيمن الكراهية على سكانها، وتنتشر بينهم أفكار المؤامرة، وهناك حوارات تستند إلى أوديب تتعلق بالرغبة في الثأر.. ولا مكان للتسامح، ولذلك كانت مشاهد العرض عبارة عن متواليات حوارية، وعبرت الخلفية القاتمة وألوان الملابس السوداء، عن رؤية حاول المخرج تسييسها من خلال إشارات إلى الراهن، ولكنه لم يقنعنا بذلك.

  • حصار

أما عرض«خلاف»، تأليف وإخراج مهند هادي للفرقة الوطنية للتمثيل، فيرصد تحولات تاريخ العراق الحديث، من خلال أم خمسينية تركها ولدها الوحيد وسافر إلى تركيا وانقطعت أخباره ولا تعلم عنه شيئاً، هل هو على قيد الحياة، أم غرق في البحر؟ خاصة أن الشرطة وجدت جميع متعلقاته كما هي على الشواطئ التركية، هي حزينة وفي انتظاره دائماً، وللمفارقة اسم الأم«أمل»، وفي وحدتها تسترجع شريط ذكرياتها، فوالدها كان مناضلاً يسارياً، وبيتها احتوى على مئات الأعمال الفكرية الماركسية والروسية، أما زوجها فكان يؤمن بالأيديولوجيا ذاتها، قتل في الحرب، وتركها وهي حامل بصبي ستطلق عليه اسم كاميلو، والذي سيصبح كل حياتها، من هنا صدمتها برحيله، في تلك الأثناء يزورها أحد ضباط الشرطة والذي يؤكد في البداية أن«كاميلو» سافر إلى تركيا وانضم من هناك إلى أحد التنظيمات الإرهابية المتطرفة، هنا تتوهم الأم كل ليلة أنها تحاور ولدها: تسأله لماذا فعل ذلك؟، ونستمع إلى نقاشات بين الاثنين حول فكرة العنف، وهل تقتصر على الجماعات المتطرفة وحسب، أم أنها امتدت إلى اليسار خلال حقب ازدهاره في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وتصر الأم على رأيها فاليسار كان يحلم بعالم أفضل يتساوى فيه الجميع، ولم يمارس القتل والترويع كما تفعل الجماعات الإرهابية، وتصرخ في ولدها،«كنت أفضل أن يطلقون عليّ أم الغريق لا أم الإرهابي».
تستمر الحوارات بين الأم وولدها المتخيل، حتى يأتي ضابط الشرطة ويخبرها أن ابنها مات في حادث على الحدود العراقية، ولم ينخرط يوماً في أية أعمال إرهابية، ولكنه يفاجئ بأنها تتحدث إلى شخص غير موجود، وهنا يقول الراوي«انتهى زمن أمل الحالمة، تحولت إلى جسد يخلو من الروح».
العرض يحاصر المتفرج من جهاته كافة، صحيح أنه يدفعه إلى الموازنة بين مختلف الأفكار، ولكنه لا يترك له مساحة لقراءة خاصة به وحده.

  • اغتراب

تدور أحداث العرض المغربي«حدائق الأسرار»، تأليف وإخراج محمد الحر لمسرح أكون، حول الضعف البشري، ويتضمن لحظات من البوح والسرد والمكاشفة، من خلال أسرة تعيش في بيت واحد، ولكن تسود الكراهية بينهم، الأب لا يحب زوجته، ولا يعرف كيف ارتبط بها ويشعر بأنها غريبة عنه، والبنت تحس أن الأب يفرض شخصيته عليها ولا يترك لها أية مساحة من الحرية. أما الديكور فجاء معبراً عن تلك الحالة، فهناك جدران قاتمة مقبضة، وأبواب كبيرة تفتح وتغلق بطريقة غريبة، ومرآة تعكس شخصيات مغتربة عن ذواتها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4sd8e26z

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"