عادي
ثلاثة عروض تبحث عن واقع أفضل

الخشبة ساحة للعدالة في مهرجان المسرح العربي

13:28 مساء
قراءة 5 دقائق
مشهد من عرض الروبة
مشهد من عرض ماذا أفعل هنا؟

الدار البيضاء: محمد إسماعيل زاهر
في اليوم الثالث من الدورة الثالثة عشرة لمهرجان المسرح العربي المقامة في مدينة الدار البيضاء المغربية، بدا وكأن الخشبة ساحة لمناقشة فكرة العدالة بمختلف أشكالها وتجلياتها، وبرز ذلك من خلال ثلاثة عروض تنتمي إلى بيئات عربية متعددة، حيث طرح العرض المصري «ماذا أفعل هنا بحق الجحيم؟»، أزمة الإنسان الوجودية من خلال نقاش قضايا المرأة، أما العرض التونسي «الروبة» فتناول العدالة في صورتها الملموسة ودارت وقائعه في محكمة و امتلأ بحوارات بين المحامين، وتطرق العرض المغربي «شاطارا» إلى معاناة ثلاث نساء قررن الهجرة بعد تعرضهن للظلم.
من جانب آخر واصل المهرجان إضاءاته على جماليات المسرح من خلال شهادات وتجارب لعدد من أبرز الكتاب والمخرجين المغاربة.
تثبت العروض المسرحية يوما بعد آخر أن «أبو الفنون» يستطيع أن يمتع المشاهد من دون نص أو حبكة أو حتى حوار، ذلك ما يخرج به مشاهد عرض «ماذا أفعل هنا بحق الجحيم؟»، تأليف وإخراج كارولين عقاد لفرقة «المطبخ»، فالعرض تعبيري راقص، يعتمد على الأداء الجسدي وحركة الممثل ومختلف عناصر السينوغرافيا، ونظل طول العرض نتنقل مع حركات الممثلات اللواتي يعبرن بوجوههن عن أزمات تفتح ذهن المتلقي على مدارات واسعة من التأويل، وتنتابه أسئلة تتعلق بوضع الإنسان في الحياة بصفة عامة، وحقوق المرأة بصفة خاصة.

  • حوارات وقضايا

فكرة العدالة كانت أكثر وضوحا ونضجا في عرض «الروبة» تأليف وإخراج حمادي الوهايبي لمركز الفنون الدرامية –القيروان. تدور أحداث العرض حول انهيار بناية محكمة، وتجد مجموعة من العاملين فيها نفسها محاصرة في قبو المبنى، أربعة محامين وقاضية ومتهم، وتبدأ رحلة البحث عن منفذ للخروج أو النجاة، ومع الوقت تتحرر الشخصيات من كل القيود، ونستمع إلى حوارات تكشف المستور عن قضايا فساد واستغلال السلطة، ويتعقد الموقف ويسود التوتر خاصة أن الوحيد الذي يعرف طريق الخروج من القبو هو المتهم، ويبدأ المحامون في تبادل التهم في التلاعب بمصالح الناس وتلقي رشى، وفي وسط كل هذا يبدو المتهم من يملك حريته بينهم فيتوددون إليه، ومع تصاعد الأحداث يتشاجر أحد المحامين مع القاضية ويحاول قتلها، فينقذها المتهم ويقتل المحامي، لينتهي العرض بأحد المحامين وهو ينزل إلى الجمهور يتجول بينهم و يقسم أن يحترم القانون ويحاول أن يطبقه بكل السبل الممكنة.

  • هجرة الأحلام

أما مسرحية «شاطارا» من تأليف سعيد أبرنوص وإخراج أمين ناسور لفرقة «ثفسيون»، فتدور حول ثلاث فتيات بحكايات منفصلة ومتداخلة في الوقت نفسه، الأولى لفتاة من أم إفريقية وأب غربي مرفوضة من المجتمعين معا، وتعاني تمزقا في الهوية، فتهاجر إلى أوروبا علّها تجد ذاتها هناك. والثانية تزوجت رغما عنها وهي قاصر، ولكنها ظلت تحب الفتى الذي تعلقت به في صباها، وجراء الصراعات في بيئتها قررت الهرب والتقت بحبيبها وسافرا بعيدا للبحث عن مستقبل جديد. والثالثة تخلى عنها حبيبها بعد أن حملت منه ورفض الزواج منها، فرحلت بدورها وراء واقع آخر أكثر رحمة. ثلاث قصص تعالج ما يتعرض له الإنسان من ظلم فيفعل ما بوسعه من أجل فرصة عادلة يستحقها في الحياة.

  • مارد الفن

وواصل المؤتمر الفكري للمهرجان بحثه في جماليات المسرح، وقدم الكاتب والمخرج حسن هموش شهادة تطرق فيها إلى تجربته، وقال: «كم هو صعب أن أتسلل من ذاتي كي أكتب عن تجربتي المسرحية، وان أكون موضوعيا لحد جلد هذه الذات إذا لزم الأمر ذلك، تجربة تمتد لأكثر من ثلاثين سنةـ، مسافة زمنية تأرجحت ما بين الهواية والاحتراف، لكن المشترك بين المحطات الفاصلة والمتصلة في هذه المسافة الطويلة والقصيرة في الوقت ذاته، هو ذاك الهاجس الذي ظل يراودني منذ أن سكنني هذا المارد الشقي الذي اسمه المسرح، وهو أن أتوجه للاشتغال على الفرجة المسرحية ضمن نسقية متصلة بالشكل والمضمون، من أجل إيجاد توازن ما بين العرض المسرحي كمنتج فكري، وأيضا جمالي، والرهان على خلق علاقة بين صناعة العرض والتي تتطلب الكثير من البحث والمهنية وبين ذائقة الجمهور المتعددة، مع الوعي بضرورة القيمة الفنية التي هي أساس وجوهر العمل الإبداعي، والعمل على إنتاج فرجة تحاكي قضايا وهموم الإنسان هنا أو هناك، قضايا قد تتجاوز الأزمنة والأمكنة»
الفنان عبد المجيد سعد الله، تطرق إلى أزمة الهوية التي يستشعرها كل مسرحي يحاول التوفيق بين أحدث تقنيات «أبو الفنون» والأشكال المحلية للفرجة، وقال: «كيف يمكن لي كدارس للعناصر الدارمية في المسرح في معهد»الكهف«في باريس، وخريج معهد جاك»بريفير بإيكس بروفانس«في مرسيليا في مادة التقنيات في الكتابة الإخراجية، أن أعيد مقاربة دلالات الأشكال الفرجوية التقليدية، بوصفها تحمل في طياتها بعدا دراميا له أبعاد أدبية وفنية وتقنية ؟» كان هذا هو أبرز التحديات التي واجهها سعد الله، وبرغم ذلك، حاول تجاوز تلك الإشكالية، بوعي منفتح فبحسب رأيه فإن كل فرجة تقليدية تتطور تلقائيا عندما تدخل مختبر الفن الحداثي، يقول: «استلهمت الأشكال المغربية التقليدية الأولى، وحاولت مقاربة الكتابة الجدلية الأدبية التاريخية التي تبرز تحولات المجتمع المغربي والعربي المعاصر بكل سلبياتها وإيجابياتها، وأقصد بالكتابة الجدلية، الكتابة التي تحرص على أدوات فنية من صراع درامي في علاقته مع التاريخ والزمان والمكان قصد بلورة الكتابة الإخراجية. وهنا أود أن أشير إلى أن كل فرجة تقليدية تنفصل عن مصدرها الماضوي بمجرد دخولها في رحاب مختبر الفن الدرامي، الذي يقوم أساسا على التجريب والتخييل، وما التخييل إلا شطحات فكر وعالم من تقنية وخلق وإبداع، وليس العرض المسرحي سوى القدرة على التطلع إلى المستقبل، هذا التطلع الذي يمثل الطاقة الإبداعية الوحيدة التي يمكن أن تحرك الماضي والحاضر لتعيد صياغة الواقع صياغة مستقبلية».

  • ذكريات مدينة

المخرج عبد المجيد فنيش تحدث عن ذكرياته مع مدينته في الطفولة وكيف صاحبته هذه المدينة عندما اشتغل في المسرح، يقول: «عمقت لدي دروب مدينة سلا العتيقة إحساسا بمدى سلطة الموروث في بناء الذات، وقد تأجج هذا الإحساس مع انتظامي المبكر في حضور حلقات الدروس في الجامع الأعظم في سلا، وحصص فني المديح والسماع التي كانت تقام ضحى كل جمعة قبل رفع آذان الظهر، إلى جانب الطواف على أبرز زوايا أقطاب الصوفية في المدينة، من هنا ترسخت لدي قناعة بأن أقصى ما يمكن أن أسهم به في المشهد المسرحي، هو الاشتغال على متون تتيح لي التعبير عن خصوصية مدينة سلا في تشكيلتها الثقافية، خاصة وأن مرحلة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي شهدت تجارب فنية ومسرحية راهنت على خصوصية المدن التي تتنفس تلك التجارب هواءها، ومنها تجارب في مراكش، الدار البيضاء وفاس أساسا».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrxejwmc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"