أوكرانيا.. وصانعو الفتن

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
على الرغم من أن اقتراب حلف شمال الأطلسي «الناتو» من الحدود الروسية، تعتبره موسكو سبباً لمخاوفها، وبالتالي لاندلاع شرارة الحرب في أوكرانيا، إلا أن أي متتبع لتاريخ العلاقات الروسية الغربية، يجد أن هذه الحرب ليست حادثاً طارئأً، وإنما هي امتداد لعقود طويلة من الصراع، بأشكال مختلفة، وذلك بسبب السياسات العدائية التي انتهجها الغرب تجاه روسيا، وقبلها الاتحاد السوفييتي السابق.
ونلاحظ هنا أنه منذ نشأة الحلف في عام 1949م وحتى الوقت الحاضر، بدا هذا الحلف عازماً على انتهاج سياسة معادية تجاه الاتحاد السوفييتي السابق. وبعد تفكك جمهورياته السابقة، سارع الخلف لضمها تحت مظلتها من خلال سياسة التوسع نحو الشرق.
ورغم محاولات موسكو الانفتاح على الغرب، توسع الناتو منذ عام 1999 باتجاه أوروبا الشرقية أربع مرات، وصد الغرب كل محاولات روسيا للتقرب منه، ما عمّق إحباطها من التعامل معها كشريك ثانوي بدلاً من شريك متساوٍ، حيث تذرع الغرب بأن روسيا تريد الحصول على حقوق الجوار المشترك دون الالتزام بقبول مبادئ السلوك الخاصة بالاتحاد الأوروبي، زد على ذلك التعامل الغربي المتعالي مع روسيا عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، في إطار نظام القطب الواحد الذي فرضته واشنطن على العالم بعد انهيار الصرح الاشتراكي، وما حمله من تداعيات خطرة على مستوى العالم بأسره، وهو ما حذرت منه موسكو أكثر من مرة، ولا سيما على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أعلن في 19 أكتوبر2021 خلال «منتدى فالداي» الدولي للحوار بنسخته الثامنة عشرة تحت شعار «التغيير العالمي - القرن 21: الإنسان، القيم، الدولة»، أن «الأزمة تطال الجميع الآن وليس هناك أي أوهام، وأن أمام البشرية طريقان، إما المضي قدماً نحو الانهيار، أو العمل على نظام جديد معاً»، محذراً الغرب بقوله: «من يزرع الريح يحصد الزوبعة»، مؤكداً أن روسيا حاولت بناء علاقات مع الغرب وحلف الأطلسي، وكانت رسالتها «فلنعش سوياً ونسعى لإنشاء منصات مالية دولية جديدة في العالم لا تعتمد على مركز تحكم واحد.. وأن فترة الهيمنة المطلقة للغرب على الشؤون العالمية تقترب من نهايتها».
ولا نجافي الواقع إن قلنا إن السياسة الغربية تجاه روسيا كانت وستبقى سياسة استعلائية، تهدف إلى تفكيك روسيا، وتحويلها إلى دويلات ضعيفة يسهل الهيمنة عليها، وحينما يقول القادة الروس إن الغرب ينوي تفكيك الاتحاد الروسي على غرار الاتحاد السوفييتي، فهُم لا يبالغون بذلك.. وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في بريتوريا مؤخراً بقوله: «إن الحرب في أوكرانيا هي حقيقية، وليست هجينة، وكانَ الغرب يستعدُّ لها لفترة طويلة ضد روسيا، في محاولة لتدمير كل شيء روسي من لغة إلى ثقافة..الخ..»
ومن يراقب سلوك وسياسة الغرب خلال الأزمة الأوكرانية يدرك الأهداف الحقيقية الغربية، والأمريكية خاصة، بعد قرار دول «الناتو» الرئيسية (الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا) بتزويد أوكرانيا بأحدث ما أنتجتهُ مصانعها من دبّابات، لتصعيد هذه الحرب، أملاً في إضعاف روسيا واستنزافها في حرب طويلة، وهو ما يعيد إلى الأذهان المؤامرات الغربية على الإتحاد السوفييتي السابق، ومحاولات إغراقه بأزمات وصراعات، كما جرى في أفغانستان عام 1979لاستنزاف القوات السوفييتية، وانعكاسات ذلك على الاقتصاد السوفييتي، ما أدى إلى الانهيار..
واليوم يُراهِن الغرب على انخراط روسيا في الحرب بأوكرانيا، وإطالة أمدها واستنزاف اقتصاد روسيا وإضعافها، كمقدمة لتفكيك الاتحاد الروسي..
أخيراً يمكن القول إن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، هو المسؤول عن الحرب الأوكرانية الروسية وتداعياتها الخطرة على العالم.
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/a2wh9yat

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"