عادي
قرأت لك

خالد البدور شاعر يحاور الليل

19:42 مساء
قراءة 4 دقائق
خالد البدور

الشارقة: يوسف أبولوز
اقرأ مجموعة «شتاء» للشاعر خالد البدور «منشورات اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات - الطبعة الأولى 2002» وفي خلفية هذه القراءة خالد البدور الذي بدأ حياته شاعر تفعيلة، والبدور كاتب الشعر النبطي، والبدور المهتم جذرياً بالسينما والثقافة البصرية عموماً من الفنون إلى المسرح، والبدور المترجم الاختياري الذي لم يتخذ من الترجمة حرفة أو وظيفة؛ بل هي تذوّق وسفر في مختاراته وانتقاءاته وبخاصة في الشعر.

هذا خالد بالمجمل، أما خالد في «شتاء»، وهي مجموعة تقع في 184 صفحة من القطع المتوسط، وحملت 67 نصّاً شعرياً، فهو شاعر القصيدة القصيرة بامتياز، شاعر اللمعة الشعرية إن جاز الوصف، وقد وُصِف هذا الشعر قبل ذلك من جانب عدد من الشعراء بِ «شعر اللقطة»، أو «شعر الصورة»، أو «شعر الحالة»، وأنا اسميه شعر الحياة وفي «شتاء» هو الليل، النهار، المطر، الصور، الأشجار، الطيور، البحر، والرمال. هذه حالات، ويوميات وحياة خالد البدور في مجموعته «شتاء»، وهو في كل الأحوال كما لو أنه يكتب لنفسه. يحدثها. يهمس إليها، يكاشفها، يبوح لها من دون لغة عالية الصوت، ومن دون ضجيج. الضجيج الذي يكثر عادة في شعر الخطابات المتشنجة. شعر «لَيّْ الذراع» إن جازت العبارة، فهناك شعر خشبي في العالم تشعر، حين تقرأه، بأنه يلوي ذراعك لهدف سياسي أو أيديولوجي أو حتى إقليمي أو طائفي أو مذهبي.. هكذا بكل غلظة الأيديولوجيا بشكل خاص، غير أن الشعر في «شتاء» هو بالفعل شتاء. شعر الماء والليونة والرقرقة بلا شعارات وصراخات واستعراض عضلات، وإن كان للشعر أن يستعرض، وهو نادراً - ما يستعرض، فإن خالد البدور يستعرض الجماليات النائية، غير المرئية في الأشياء والحياة، والكائنات، والأرواح.

*روح

لكل شيء في شعر خالد البدور «روح»، والروح وحدها وراء الحركة، والحيوية، والانسياب أو ما سمّيته قبل قليل «الرقرقة» تلك التي نبصرها في سيرورة الماء الجاري في نهر أو في نبع، وليس الماء الراكد الآسِنْ.

مفردة «الليل» ليس إنشاءً أبجدياً بالنسبة لخالد البدور؛ بل هي حالة الشاعر مثلاً في الأماكن والمدن، ليلة في منزل بحري على سبيل المثال:

«ليلة في منزل لا يراه أحد

لا المرأة وجدت النوم

ولا عرف الرجل الطريق إلى الصباح».

في الليل أيضاً ينام الكلام، ولا ينام البشر فقط، الليل حالة قاسية، إنه رديف للصمت. رديف للصدى المكبوت في الصمت:

«عند الليل بعد أن يصمت العالم

ولا يتبقى سوى صوت الرياح

وهي تتدافع في صدى قصيّ

يحين وقت الأسى بعد أن ينام الكلام

الدمعة تطفئ المصباح

الليل قاسٍ.. والدّار مبكي..».

لكن لليل في «شتاء» وجه آخر. إنه النهار. النهار هو الوجه الآخر للّيل. لكن مفردة الليل أو ما يمكن أن يُشّق منها تتكرر في المجموعة 52 مرّة: هاجم نومي الليلة الفائتة، رائحة العتمة ذاتها، أن نعبر البحر في ليلة، دعوتك لعشاء الليل، أنار الزاوية المعتمة التي بكينا فيها ليلاً، رأيت في الليالي الأكثر إظلاماً. واعترتك برودة الليل، أتحدث عنك مع الليل، مم صنع ليلك هذا؟، ليلك المقدّس، ليلك اللانهائي، تغيّر درب الرّيح الليلة، ثم وجدتك في أعماق الليل، أزيح الستائر عن حلكة الليلة الفائتة، عندما يمزقنا الليل،... وإلى آخره من أمثلة الليل، فيما تتكرر مفردة «النهار» أو ما يحيل إلى النهار مثل «الصباح» 16 مرّة. وفي هذه الحالة الليلية والنهارية لا يسع القارئ إلا أن يتوقف فعلاً عند ليل الشاعر الطويل هذا.

المجموعة تحمل اسم «شتاء»، واللافت هنا، أن البدور أصدر في عام 1992 مجموعة كاملة بعنوان «ليل»، لكن ليل الشتاء أطول، وهو هكذا، يطول الليل في الشتاء، ويقصر الليل في الصيف، يصبح النهار طويلاً في الصيف، ولا أدري إن كان لهذه الظواهر الطبيعية أو الزمنية أو الفيزيائية أثر في انعكاس حالتي الليل والنهار على الشاعر - الذي يمتلئ شتاؤه بالليل.

تتكرر أيضاً في المجموعة صورة «هبوط الليل»، واللافت أيضاً أنه لم يستخدم كلمة «غروب» كثيراً؛ بل، لم يستخدمها بالمرة، وظل الزمن - ليلياً بالكامل في هذه المجموعة التي ينطبق عليها عنوان «ليل» أكثر من انطباق «شتاء».

في الثقافة الشعبية يحيل الليل إلى الخوف، إن هبوط الليل هو على نحو ما - هبوط للأشباح التي لا تلبث في الذاكرة الشعبية أن تملأ الطرقات والفرجان والأحياء وحتى البيوت.

الليل أيضاً فضاء حيوي للحكاية، كما ويحيل الليل إلى الحلم، وإلى الطمأنينة التي يحققها عادة البيت، أو تحققها العائلة، أو يحققها الحب.

غير أن ليل خالد البدور هو ليل قلق. إنه في القصيدة الأولى من المجموعة؛ بل، وفي السطر الأول من هذه القصيدة الأولى يقول:

(أنام موقتاً بحياة أخرى خلف كل ليل

لكنني لا أعرف من أية جهة

ستهبّ الرياح

أنسج أحلامي بعناية

كمن ينسج الاحتمالات

احتمالات تشبه كثيراً ضباب الصباح).

وفي مكان آخر يقول: بدا الجميع غرباء كأننا لا نعرفهم، واختتم الليل فصله الأخير، ويقول أيضاً في مكان آخر، أريد أن أُبلّلْ هذا الليل قليلاً، ويقول:.. لنتأمله هذا الليل الفارغ... إلخ.

*إيقاع

هل تكرار «الليل» أو تكرار ظاهرة الليل «مقصودة» في هذا السياق الليلي، التكراري إلى حدّ أن الليل أصبح إيقاعياً. أصبح الليل إيقاع هذه المجموعة المنسوجة مرة بالعتمة، ومرة بالظلام؟

القراءة المتأنية لظاهرة أو فكرة أو حالة «الليل» في هذه المجموعة تكشف عن روح طفلية خائفة من هبوط العتمة. خائفة من غياب شيء ما. خائفة من الظلام، ولذلك تتشبث بالوجه الآخر ل «الليل» وهو: «النهار» ولو في لمعات شعرية نهارية أقل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/vw39k6h6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"