عادي
جبر الخواطر

قرآن يطمئن خولة بنت ثعلبة

00:52 صباحا
قراءة 4 دقائق

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

«خولة بنت ثعلبة».. هي خولة بنت ثعلبة بن عسر بن فهد بن ثعلبة بن غنم بن عوف، من سادة البلاغة والجمال، عالية النسب. تزوجت من ابن عمها أوس بن الصامت، أسلمت رضي الله عنها وزوجها أوس بن الصامت، وكانت له نِعم الزوجة، ككل الصحابيات الكريمات، نموذجاً للزوجة المسلمة المؤمنة البارة بزوجها، وكانت تُحسن، إليه وتحنو وتجود عليه بالكثير من مالها، ولا تدخر وسعاً في إسعاده، وإدخال السرور عليه، ولا تُقصر في حقه عليها.

كانت تحبه وتُطيعه في غير معصية الله عز وجل، على معاملته الشديدة لها في كثير من الأحيان، وكان لهذه الصحابية الجليلة شأن عظيم عند الله عز وجل، وعند رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وعند صحابته المقربين رضي الله عنهم أجمعين.

والمظاهرة عندما قال لها زوجها: أنت مثل ظهر أمي.

كانت أول زوجة في الإسلام «يُظهر لها زوجها عندما ناقشته في أمر من أمور الحياة، فغضب وثار ونطق بما كان يقال في الجاهلية: «أنت عليّ كظهر أمي»، وهو القسم الذي يعني تحريمها عليه، فلا يلمسها ولا يقترب منها كزوجة. ومر الخلاف القاسي، إلا أن الزوجة لم تمرر القسم الذي خرج في غمرة انفعاله، فقالت له زوجته والدموع تنهمر من عينيها لشدة ما سمعت منه: «والله لقد تكلّمت بكلام عظيم، ما أدري مبلغهُ..»، ثم خرج الزوج بعد أن قال ما قال فجلس في نادي القوم ساعة، ثم دخل عليها يراودها عن نفسها، لكنها امتنعت حتى تعلم حكم الله، فقالت: «كلا... والذي نفس خولة بيده، لا تخلصن إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه».

خرجت خولة حتى جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت من زوجها، وهي بذلك تريد أن تستفتيه وتجادله في الأمر، فقالت له: «يا رسول الله، إن أوساً من قد عرفت، أبو ولدي، وابن عمي، وأحب الناس إلي، وقد عرفت ما يصيبه من اللمم وعجز مقدرته، وضعف قوته، وعِي لسانه، وأحق من عاد عليه أنا بشيء إن وجدته، وأحق من عاد علي بشيء إن وجده هو، وقد قال كلمة والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقاً قال: «أنت علي كظهر أمي».

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أراكِ إلا قد حُرمت عليه»، والمرأة المؤمنة تعيد الكلام وتبين لرسول الله ما قد يصيبها وابنها، إذا افترقت عن زوجها، وفي كل مرة يقول لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أراكِ إلا قد حُرمت عليه».

وأزاحت الصحابية الجليلة المؤمنة الصابرة نفسها واتجهت نحو الكعبة المشرفة، ورفعت يديها إلى السماء وفي قلبها حزن وأسى، وفي عينيها دموع وحسرة، قائلة: «اللهم إني أشكو إليك شدة وجدي، وما شق علي من فراقه، اللهم أنزل على لسان نبيك ما يكون فيه فرج». تقول السيدة عائشة وهي تصف لنا حالة خولة: «فلقد بكيت وبكى من كان منها ومن أهل البيت رحمةً لها ورقة عليها». يُذكر أنها قالت إن لي صِبية صِغار إن ضممتهم إلي جاعوا وإن ضممتهم إليه ضاعوا.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، وجاء الوحي بالمدد من السماء، تقول خولة: فوالله ما برحت حتى نزل فيّ القرآن فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه فقالت عائشة: يا خولة إنه لَيَنْزِلُ عليه ما هو إلا فيك، فقالت: اللهم خيراً فإني لم أبغ من نبيك إلا خيراً ثم سرى عنه فقال: «يا خولة قد أنزل الله فيك وفيه قرآناً»، ونزل الحُكم الشرعي العام، يقول تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ* الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ* وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ* فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة: الآيات من 1-4].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخولة المُجادِلة: «مُريه فليعتق رقبة»، فسألت التخفيف عن زوجها. فقال: «فليصم شهرين متتابعين». فقالت: والله إنه شيخ كبير، ما به من صيام. قال: «فليُطعم ستين مسكيناً وسقاً من تَمر». فقلت: يا رسول الله، ما ذاك عنده! فقال نبي الرحمة: «فإنا سنعينه بعرق من تمر»! ولم ينس الرسول الجليل والأب الرحيم أن يوصي المرأة الشابة بزوجها الشيخ فقال: «استوصي بابن عمك خيراً».

ونهضت خولة «مجبورة الخاطر» لتعود إلى زوجها، فتجده جالساً جانب الباب ينتظرها، فقال لها: يا خولة ما وراءك؟ فقالت والفرحة على وجهها: «خيراً...» وشرحت له ما قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر الكفارة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3cdb8dym

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"