د. حميد مجول النعيمي *
أصبح الحساب الفلكي أحد العلوم المعاصرة التي وصلت إلى درجة عالية من الدقة بكل ما يتعلق بحركة الكواكب السيارة، ولا سيما حركة القمر والأرض ومعرفة مواضعهما بالنسبة للكرة السماوية، وحساب بعضهما بالنسبة لبعضهما الآخر في كل لحظة من لحظات الزمن بصورة قطعية لا تقبل الشك.
إن وقت اجتماع الشمس والأرض والقمر، أو ما يعبّر عنه بالاقتران، أو المحاق، هو حدث فلكي كوني يحصل في لحظة زمنية واحدة، ويستطيع علم الفلك أن يحسب هذه اللحظة بدقة فائقة وبصورة مسبقة، قبل وقوعه لعدد من السنين، وفيه إشارة إلى انتهاء الشهر المنصرم وابتداء الشهر الجديد فلكياً. والاقتران يمكن أن يحدث في أية لحظة من لحظات الليل والنهار.
يثبت دخول الشهر الجديد شرعياً إذا توافر ما يلي: أولاً: أن يكون الاقتران قد حدث فعلاً قبل غروب الشمس.
ثانياً: لأجل الرؤية بالعين المجردة أو بالأجهزة الفلكية، لابد أن يغرب الهلال بعد غروب الشمس في موقع إمكانية الرؤية، بمعنى أن يكون للهلال (مكث) أي (يبقى في الأفق مدة زمنية بعد غروب الشمس لا تقل عن 20 دقيقة)، وأن يكون في موقع مناسب من حيث ارتفاعه عن الأفق وبعده عن الشمس عند غروبها، وأن يكون هناك إمكانية لرؤية الهلال بالعين المجردة، أو بالاستعانة بآلات الرصد الفلكي في أي موقع على سطح الأرض، ولا عبرة باختلاف المطالع لعموم الخطاب بالأمر بالصوم والإفطار.
ثالثاً: لقبول إمكانية رؤية الهلال لا بد أن تتحقق الشروط الفلكية التالية: أن يغرب الهلال بعد غروب الشمس في موقع إمكانية الرؤية.
ألا تقل زاوية ارتفاع القمر عن الأفق عند غروب الشمس عن (5˚) خمس درجات.
ألا يقل البعد الزاوي بين الشمس والقمر عن (8˚) ثماني درجات.
وعلى المسلمين أن يأخذوا بالقواعد أعلاه في دخول الشهور القمرية والخروج منها، ولاسيما شهري رمضان وشوال، وتحديد مواعيد هذه الشهور بصورة مسبقة، وهذا ما يساعد على تأدية عباداتهم، وما يتعلق بها من أعياد ومناسبات وتنظيم ذلك مع التزاماتهم في المجتمع الذي يعيشون فيه.
لنطبق ما جاء في أعلاه في حساب بداية شهري شوال وذي الحجة: بالنسبة لشهر رمضان المبارك الجاري كانت بدايته الخميس 23 مارس/ آذار 2023، لأن لحظة الاقتران حسب توقيت الإمارات كانت في تمام الساعة 21:23 من مساء الثلاثاء 21 مارس، أي أن لحظة الاقتران تمت بعد غروب الشمس، وغرب الهلال قبل غروب الشمس.
أما بالنسبة لشهر شوال فستكون لحظة الاقتران أو ولادة الهلال حسب توقيت الإمارات في تمام الساعة 8:12 صباح الخميس، الموافق 20 إبريل 2023 (أي أن الاقتران سيتم قبل غروب الشمس ويغرب القمر بعد غروبها بحدود 18 دقيقة، وإذا توجهنا إلى الدول شرق الإمارات سنجد أن القمر يغرب في بعضها بعد غروب الشمس بأكثر من 30 دقيقة وبالتالي فإن احتمالية رؤيته في الشرق ممكنة)، ويكون أول يوم شهر شوال، بمشيئة الله تعالى، الجمعة 21 إبريل 2023 (يكون شهر رمضان 29 يوماً).
أما بالنسبة لشهر ذي الحجة 1444ه، فإن لحظة ولادة الهلال حسب توقيت الإمارات ستكون في الساعة 8:37 صباح الأحد، الموافق 18 يونيو/ حزيران 2023 (أي أن الاقتران سيتم قبل غروب الشمس ويغرب القمر بعد غروبها بحدود 15 دقيقة، وإذا توجهنا إلى الدول شرق الإمارات فسنجد أن القمر يغرب في بعضها بعد غروب الشمس بأكثر من 30 دقيقة وبالتالي احتمالية رؤيته في الشرق ممكنة)، ويكون أول يوم شهر ذي الحجة، الاثنين، الموافق 19 يونيو 2023، ويكون يوم عرفة الثلاثاء، 27 يونيو، وعيد الأضحى المبارك (10 ذي الحجة)، يكون الأربعاء 28 يونيو 2023. وكل عام والجميع والأمة الإسلامية بألف خير.
إن حساب ولادة الهلال وحساب موقعه في أية لحظة مطلوبان دائماً، في أي مكان من العالم، وهذا النمط من الحسابات الفلكية ممكن ومتاح تماماً وبدقة لا يرقى إليها الشك من الناحية العلمية التطبيقية، إذ ترتبط أغلب العبادات والمناسبات الدينية ارتباطاً وثيقاً بالأشهر القمرية، كما ورد في سورة البقرة: (1) «فمن شهد منكم الشهر فليصمه»، البقرة 185 (2) «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج» البقرة 197، لكنّ معضلة تحديد أول يوم في شهر رمضان، أو عيد الفطر مثلاً، تبقى معلقة فقهياً برؤية الهلال بالعين المجردة، فبعض المسلمين (في بعض الدول) قد يوفق في رؤية الهلال وبعضهم (يشتبه) في رؤيته، ومنهم من لا يتمكن من رؤيته البتة، وبذلك يحصل الاختلاف في (توقيت) بداية رمضان، أو عيد الفطر، مع أنّ ولادته سبقت رؤيته في واقع الحال في كثير من المواقع وفي كثير من الأحيان معاً.
* مدير جامعة الشارقة رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك
