عادي

حب عائشة عروة وثقى

23:28 مساء
قراءة 4 دقائق

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

يوضح د. مصطفى مراد، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر في كتاب «زوجات الأنبياء»، أن عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأمها هي أم رومان بنت عامر بن عويمر ورثت الفضل من والديها، ومنحها الله صفات عظيمة أهّلتها للقيام بدورها الكبير في البيت النبوي الشريف. وفتحت عائشة عينيها على الإسلام، فقد ولدت مسلمة ونشأت مسلمة. منحها الرسول صلى الله عليه وسلم وساماً فريداً حيث قال: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).

يضيف د. حمزة النشرتي في كتاب «سيرة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم»، حين توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها حزن النبي صلى الله عليه وسلم، عليها حزناً شديداً، فبعث الله جبريل، فأتاه بصورة عائشة، فقال: يا رسول الله هذه تُذهب بعض حزنك، وإن في هذه خلفاً من خديجة.. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يختلف إلى بيت أبى بكر يقول: يا أم رومان، استوصي بعائشة خيراً واحفظيني فيها. فكان لعائشة بذلك منزلة في بيت أهلها وهم لا يشعرون بأمر الله فيها.

وفي يوم جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر كما كان يجيء، فوجد عائشة متسترة بباب الدار وهى تبكي بكاءً حزيناً، فسألها، فشكت إليه أمها وأنها تقسو عليها. فدمعت عينا النبي صلى الله عليه وسلم ودخل على أم رومان فقال: يا أم رومان، ألم أوصك بعائشة أن تحفظيني فيها؟ فقالت: يا رسول الله، إنها بلَّغت الصِديق عني ما أغضبه عليَّ، فقال صلى الله عليه وسلم: وإن فعلت، فقالت: لا جرم، ولا سُؤتها أبداً، فقد عرف النبي، صلى الله عليه وسلم، أن عائشة ستكون زوجته، أنبأه بذلك جبريل عليه السلام، واتضحت حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في زواجه من عائشة، التي تفتحت عيناها على هذا الدين، فوعت كل كلمة قالها النبي صلى الله عليه وسلم فحفظتها، وقدمتها للمسلمين كما سمعتها فانتفعوا بها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعاملها معاملة الأطفال لا معاملة الزوجات الكبيرات، فكان يلاعبها ويسابقها ويمازحها ويداعبها ويلاطفها، ويجبر دائماً بخاطرها.

علو منزلة

يذكر الكاتب أحمد خليل جمعة في كتاب «نساء الأنبياء في ضوء القرآن والسنة»:أما حادثة الإفك، وفيها ثبت علو منزلة عائشة رضي الله عنها في الصبر على الابتلاء والشكر عند الرخاء، والتوكل على رب السماء. قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج لسفر أقرع بين نسائه، فأيها خرج سهمها خرج بها، وأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، ثم قفلنا من العزوة إلى أن دنونا من المدينة، فقمتُ حين أذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش وقضيت بعض شأني، وأقبلت إلى الرحل فلمست صدري، فإذا عقدي قد انقطع، فرجعت ألتمسه فحبسني ابتغاءه، وارتحل القوم ولم أشعر وأرحلوا هودجي وهم يحسبون أني فيه، ووجدت عقدي فجئت منازل الجيش وليس بها داع ولا مجيب، فبينما أنا جالسة في مكاني غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي قد تأخر من وراء الجيش فأدلج، فأصبح عند مكاني، فرأى سواد إنسان نائم، فعرفني حين رآني واسترجع، ووالله ما كلمني ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته وركبتها، وانطلق يقودها حتى أتينا الجيش، بعدما نزلوا في نحر الظهيرة، قالت: وهلك من هلك في شأني، واشتكيت حين قدمنا المدينة شهراً، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذل.

قالت أمي: هوِّني عليك، فبينما نحن على ذلك، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس وتشهد.. ثم قال: أما بعد يا عائشة، فإني قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه. قالت: فوالله ما رام رسول الله من مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه الوحي، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان في اليوم الشاتي. فلما سُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، كان أول كلمة تكلم بها أن قال: أبشري يا عائشة، أما والله فقد برأك الله. وكان أكبر إجباراً بخاطرها رضي الله عنها.

وتضاعف حب النبي صلى الله عليه وسلم لها حتى قال فيما يرويه الرواة: «حبك يا عائشة في قلبي كالعروة الوثقى». وعرفت زوجاته الأخريات حب النبي لها، فكن يغرن بسبب ذلك. وكانت تُباهي ضرائرها قائلة «أية امرأة كانت أحظى عند زوجها مني»؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4r99e48t

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"