عادي

كتاب «قوصرة الثمرات» لمحمد جبر التميمي

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين
1

بقلم: عبدالغفار حسين

كما قلت مرة إن العناوين الطريفة للكتب تستهويني وأبحث عنها بغية اقتنائها، كما أن حجم الكتاب الذي ينمّ عن المختصر المفيد، يشدّ رغبتي إليه؛ لأنني أضعه في حقيبة يدي الصغيرة في السفر والترحال، لأقرأَه وأنا في الطائرة. وأنا أيضاً من هواة زيارة أكشاك الكتب القديمة في القاهرة، ومن النادر ألا تشمل زيارتي للقاهرة سور الأزبكية، والأكشاك أمام جامعي الأزهر والحسين وما حولهما، مهما كان سفري قصيراً، وتربطني ببعض أصحاب هذه الأكشاك والمكتبات الصغيرة علاقة معرفة قديمة، بعضهم ذهب إلى رحمة الله، وبعضهم باقٍ أمدّ الله أعمارهم.

ومن بين الكتب ذات العناوين الطريفة وذات المواضيع العميقة والمفيدة التي اقتنيتها وقرأتها في الآونة الأخيرة، كتاب صغير اسمه «قوصرة الثمرات». والحقيقة أنه بمجرد أن وقعت عيناي على كلمة القوصرة، عادت بي الذكريات إلى قوصرة التمر أو البلح، التي كانت تعجّ بها دكاكين سوق التمر في ديرة، السوق القديم حتى بداية الستينات من القرن العشرين. وكان هذا السوق الذي يحتوي على نحو عشرين دكّاناً متقابلة، يختص بتجارة التمور بالجملة أو بالذي لم يكن ليقلّ عن قوصرة واحدة أو جراب أو قَلّة.

1

وكان هذا التمر يأتي معظمه إلى ميناء الخور في دبي المحاذي لسوق التمر، من البصرة في العراق، حيث كانت البصرة مكاناً لجميع أنواع التمور العراقية والأهوازية، وكان التمر يأتي أيضاً إلى هذا السوق من ميناو أو ميناب، وهو بندر إيراني على الساحل الفارسي من الخليج، محاذياً لمضيق هرمز، ذو ماء وفير وزرع نضير، ولكن التمر الميناوي المصدّر معظمه ليس بجودة التمر العراقي والأهوازي وتنوعه.

ونعود إلى القوصرة والجراب والقَلَّة، فهذه تسميات محلية إماراتية وعمانية مأخوذة من فصيح اللغة، للأوعية التي تعمل لحفظ التمر، وكانت هذه الأوعية تحاك من خوص النخل، والخوص لمن لا يعرفونه، هو السعف والورق الذي يتدلى من الجريد. فعلى سبيل المثال، فإن القوصرة وعاء دائري كبير، والجراب مستطيل الشكل، والقَلَّة دائرية ومحتوياتها نصف محتويات القوصرة تقريباً، وكان التمر الوارد إلى البلاد يعبَّأ في هذه الأوعية المصنوعة من الخوص كما ذكرنا، قبل انتشار الأكياس البلاستيكية. وكتاب «قوصرة الثمرات» معناه أنه يحتوي على لذيذ التمر وأطيبه. ويقول مؤلف الكتاب عن كتابه بيتين جميلين من الشعر، ويعبِّر كما في قوصرته من الثمار والحلاوة:

عِنْدي رِيَاضٌ مثْمِرةٌ

أثمَارهَا كَالسّكَرَة

وَهَا كُمُ يَا سَادَتي

لَذِيْذهَا في القَوْصَرَة

وهذا الكتاب الصغير في حجمه، كثير المنفعة في ما يحتويه من الكلمات والمرادفات اللغوية، حيث يضع بين صفحته قائمة بالشائع المستعمل في اللهجات الدارجة، وخاصة اللهجة المصرية ويقابلها الصحيح بالفصحى، وذلك لمن يتعصبون للفصحى ويصرّون على استعمالها في حياتهم اليومية العادية.

والحقيقة أنني من الذين يعتقدون أن استعمال اللهجات العامية في المحادثة والتعامل اليومي يسهّل على عامة الناس التفاهم، وأن العبرة من استعمال اللغة المشتركة، هو الوصول إلى هذا التفاهم، وليس من الضروري أن تكون دائماً اللغة المشتركة أو اللغة الواحدة التي يتحدث بها الطرفان المتحاوران أداة للتفاهم في موضوع الحوار؛ بل المهم أن تكون الفكرة المشتركة التي يتبنّاها الطرفان واحدة غير مختلفة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/35ap53us

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"