عادي

«واو» الحكمة

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
طه الهيتي

الشارقة: عثمان حسن

العراقي طه الهيتي، أحد أبرز الخطاطين العرب، تتلمذ على يد عباس البغدادي، وهو دارس للهندسة المعمارية، وقد انعكس فهمه الجمالي للخط، خاصة الثلث، من تلك الفضاءات التشكيلية التي يمكن تحقيقها من خلال بنية الحروف، وما تجسده من أشكال معمارية غاية في الرشاقة والإبداع، فالحروف بالنسبة له ذات طبيعة بنائية تستحق الكثير من الاهتمام من ناحية تصميمها على جسد اللوحة بشكل يليق بما تختزنه من توهج شكلي وروحي.

في واحدة من لوحاته يستخدم الهيتي الآية القرآنية «وهو على كل شيء وكيل»، وهنا يقف المشاهد على لوحة غاية في الإبداع الجمالي، خاصة وأنها منفذة بسيد الخطوط، «الثلث»، حيث تبرز في اللوحة خصائص الخط العربي في تنسيق جمالي مبهر، ومن يدقق في اللوحة يتوقف عند حرف الواو، وهو الحرف الذي استهلت به الآية القرآنية، بحيث جعله جسداً للنص، وحاضناً له، وهو يبرز تصميم الواو وفق موازينه الدقيقة في الثلث، وبما يليق بجماليات الخط العربي.

الصورة

بطبيعة الحال، فقد استثمر طه الهيتي في اللوحة مكونات زخرفية، تخرج الخط من جموده وأشكاله التقليدية، وتكاد الزخرفة النباتية المستخدمة في اللوحة تغطي اللوحة من جوانبها كافة، وأضفت عليها لمسات جمالية واضحة، خاصة وأن الهيتي قد استخدم في الزخرفة تناسقاً لونياً مدروساً، يتناسب مع لون حرف الواو الذي جاء بكثافة لونية واضحة، منتشراً في جنبات اللوحة التي تشع بالإشراق والألق والنور.

في هذه اللوحة لم يخرج الهيتي عن المضمون الكلي للخط، فقد حرص على تقديم لوحة رصينة في ضبطها لمعايير وقواعد الثلث، وقد بدت اللوحة في منظورها العام وما تعكسه في عين المشاهد وكأنها تحفة خطية، وأكثر من ذلك، فقد قدمت حركة إيقاعية للخط، هذه الحركة حسب فهم الهيتي لا تنفصل عن تمثلات الخط في البيئة والإنسان، فهو يرى أن الحروف ترتبط بالجسد الآدمي، ولكل حرف شكل، ودور، ووظيفة محسوبة بدقة، وعليه كخطاط أن يبرز الحرف كمكون يناظر أعضاء الجسد البشري، وهذه المحاكاة بين الحروف وأعضاء الجسد الآدمي كالعين والصدر والذقن لها ما يبررها بحسب الهيتي، في فضاء يوائم بين الشكل والمحتوى، ويكاد يختزل الرسالة الروحية أو الإيمانية من خلال طاقة الحرف التي تضيف للمعنى. ويعتمد الهيتي في هذه البنائية الحروفية، ما يحبذ أن يطلق عليه: النسبة الذهبية في التصميم الهندسي، وهو الجزء المهم في الهندسة وعلم العمارة، في تطبيقها على كثير من المباني والأعمال الفنية المنشرة من حول العالم.

تفاصيل

يراعي طه الهيتي في تصميمه لحروف الآية الكريمة، أن يبرز الطريقة الصحيحة في تصميم الحروف، فحرف الألف في الحروف العربية يكتب بخط مستقيم يميل قليلاً إلى الأمام مع صدر بارز للأمام، والجزء السفلي للحرف يتجه للخلف، تماماً كما هو شكل الإنسان.

وهذا ينطبق بالضرورة على حرف العين –على سبيل المثال- الذي يكون على شاكلة الحاجب في اللغة العربية، حيث لكل حرف شكله الذي يناظره في الطبيعة، وفي الإنسان، والحيوان، والنبات، ما يؤكد وحدة الوجود، ويبرهن على القوة الروحية والإيمانية التي تشع بها حروف العربية.

لا يخفي الخطاط الهيتي إعجابه بمدارس الخط العربي، وخاصة المدرسة التركية، التي تولي اهتماماً خاصاً بحرف الواو في فنون الخط العربي، فالواو تمثل النفس الصالحة، والإنسان لحظة يولد، يولد وشكله قريب من حرف الواو، وهذه الثقافة تجعل وجود هذا الحرف شائعاً في كثير من متعلقات الحياة، في الرسوم والمخطوطات وغيرها الكثير.

والواو في لوحة الخطاط الهيتي، تكاد تشير إلى مثل هذه المعاني، فكأنها بمثابة جسد اللوحة، أو مستهلها، وثمة إشارات عديدة تدل على عبادة الله، فحرف الواو، هو رمز لحكمة الله ووحدانيته، فهو إذاً، رمز روحي، وهو جوهر يربط بين جملتين، وفي كل مسجد بمدينة بورصة جنوبي إسطنبول التركية ثمة تدوين لحرف الواو، الذي يزينه الأتراك بفن التذهيب وزخرفة التوليب التركي الشهير.

طه الهيتي خطاط عراقي معروف، شارك في العديد من المعارض العربية والدولية المتخصصة بفنون الخط العربي، حاز عام 2004 إجازة من عباس البغدادي الرئيس السابق لجمعية الخطاطين العراقيين، ليكون خلفه في هذا الفن الذي يتبع مدرسة الخط العربي البغدادية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3hs2u65s

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"