عادي

باسم.. وقصة أصحاب الفيل

23:54 مساء
قراءة 4 دقائق

باسم أصغر ولد في الأسرة، وله أشقاء آخرون، أخته الكبرى ياسمين وأخوه الكبير مروان. كان باسم دائم اللعب في المنزل وعنده الكثير من الألعاب ومنها أشكال الحيوانات المجسمة المختلفة، عنده الأسد والتمساح والزرافة والغزال، والفيل، والفيل هو اللعبة المحببة. يوماً ما دخل عليه أبوه وسأله: لماذا تحب الفيل؟ قال: لأنه ضخم وطيب وشكله ظريف، فقالت أخته ياسمين: ما رأيك يا أبي أن نذهب في رحلة إلى حديقة الحيوانات، لكى يرى باسم الفيل على الطبيعة؟ رد عليها مروان: فكرة جميلة فعلاً يا ياسمين، وفى كل الأحوال يا أبي نحن في عطلة آخر العام، ويمكننا الذهاب إلى زيارة حديقة الحيوانات ونستمتع بها جميعاً، خصوصاً أن باسم لم يذهب إليها من قبل، وهو يحب الحيوانات، خصوصاً الفيل.

أجاب الأب: فكرة رائعة، ونادى على الأم وقال لها: ما رأيك في أن نذهب إلى رحلة؟ يريد الأولاد الذهاب إلى حديقة الحيوانات. رحبت الأم جداً بالفكرة، لأن هذه الرحلة سوف يفرح بها باسم بالأخص، لأنه يحب الحيوانات، وفعلاً لم يذهب إلى الحديقة من قبل مثل إخوته.. وقالت: ما رأيكم في يوم الجمعة القادم، وسوف أعد لكم بعض الأطعمة والمشروبات والحلوى؟ مرت الأيام والساعات، وباسم ينتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر. بعد شروق الشمس، نهض الجميع من نومهم، وأعدت الأم حقيبة الأطعمة والمشروبات، وارتدى الجميع ملابسهم، وذهبوا إلى الحديقة. انبهر باسم عندما وجد الحيوانات داخل أقفاصها تتحرك يميناً ويساراً سعيدة بالزوار، ذهب إلى قفص الغزال، وشاهد القرد والزرافة والأسود والتماسيح والطيور، ثم جلسوا ليستريحوا ويتناولوا الأطعمة والمشروبات، وأخذ باسم في التلفت يميناً ويساراً يبحث عن مكان الفيل، وما إن انتهوا من تناول الطعام، حتى ذهبوا إليه، وعندما وصلوا إليه شاهدوا الفيل بشكله الضخم، فرح باسم كثيراً وانبهر بحجمه.

انتهى اليوم وعاد الجميع إلى البيت فرحين بهذا اليوم الجميل، وفى المساء تجمعت الأسرة على العشاء، وكان باسم في غاية السعادة لرؤية الفيل، فقال لأبيه: أريد منك يا أبي أن تشترى لي قصصاً عن الحيوانات، خاصة الفيل، فقالت أخته ياسمين: ما رأيك يا أبي قبل ذلك أن تحكي لنا قصة «أصحاب الفيل»؟ ابتسم الأب وقال: حسناً، وبدأ، بتلاوة السورة الكريمة: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ». سورة الفيل.

ثم قال: قبل ولادة النبي، صلى الله عليه وسلم، كانت اليمن تخضع لحكم الأحباش، وكان أبرهة الحبشي والياً على تلك البلاد من قبل ملك الحبشة، وكان أسود البشرة، مجعد الشعر، ضخم الجسم، قد شقت إحدى شفتيه، ولذلك عرف بأبرهة الأشرم.

كان أبرهة على دين رؤسائه من ملوك الحبشة نصرانياً، أما العرب في أهل اليمن فكان ولاؤهم للبيت العتيق في مكة أم القرى، وكانوا مع بداية كل موسم للحج يشدون الرحال إلى الكعبة زائرين معظمين، فقال أبرهة: لأصرفن عرب اليمن عن هذا البيت، ولن يكون ولاؤهم إلا لي وحدي.

فكر أبرهة في إقامة كنيسة عظيمة، وأشرف بنفسه على إنجازها حتى أصبحت تحفة رائعة. ورغم ذلك لم يتأثر أهل اليمن، وظلوا عاكفين على معتقداتهم معظمين البيت العتيق. اغتاظ أبرهة أشد الغيظ، وأقسم ليهدمن بيت العرب، وأخبر ملك الحبشة بعزمه ونيته، ثم حشد آلافاً من الجند بكامل عدتهم من أدوات وسلاح، ثم خرج بهم من عاصمة ملكه. وجعل في مقدمة جيشه فيلاً ضخماً ما رأت عيون البشر مثيلاً له. كان الهدف من وجود هذا الفيل في مقدمة الجيش استخدامه في هدم الكعبة، وذلك بنطحها برأسه.

عرفت بعض قبائل العرب نية أبرهة وقصده مكة، فعزم زعماؤها على الوقوف في وجه هذا الطوفان الزاحف، فوقعت بينهم وبين جيش أبرهة بعض المعارك المحدودة، إلا أنه واصل التقدم. ظل أبرهة ماضياً في طريقه مع جيشه يهدم السدود والحواجز، ويترك من ورائه الدمار والخراب حتى أصبح قريباً من مكة المكرمة.

كانت قريش في ذلك الحين قد استجابت لنصيحة شيخها عبد المطلب بن هاشم، فتحركت بمجموعها إلى شعاب الجبال طلباً للأمان، وقررت عدم التصدي لجيش أبرهة، أو الدخول معه في حرب خاسرة. وصادف أن سطا جند أبرهة على قطيع من الإبل يخص عبد المطلب الذي أسرع إلى لقاء أبرهة كي يسترد إبله، فسمح له باللقاء. دخل عبد المطلب، ومن غير تردد عرض مطلبه بأن ترد له إبله، فنظر أبرهة إلى عبد المطلب بدهشة وتعجب، وقال: لقد ظننت أنك جئت للحديث معي من أجل الكعبة. فقال عبد المطلب: الإبل أنا صاحبها والمسؤول عنها، أما البيت (الكعبة) فله رب يحميه.

أمر أبرهة برد إبل عبد المطلب له، واستعد للهجوم على مكة، وأصدر أمره لبعض أعوانه أن يوجهوا الفيل نحو الكعبة، لكنه لم يتزحزح من مكانه رغم تساقط العصي الغليظة عليه، ورغم وخزه برؤوس الرماح. وما هو إلا وقت يسير حتى احتجب نور الشمس عن الأرض، وجاءت أسراب من الطيور المتلاحقة تحمل في مناقيرها وأقدامها حجارة ملتهبة ترمي بها جنود أبرهة كلهم، وأصبح كيد أبرهة في تضليل. وتساقط جنوده واحداً تلو الآخر قتلى كأنهم العصف المأكول، حتى هو نفسه أصيب بالذعر ثم مات.

بعدما انتهى الأب من قصة «أصحاب الفيل» قال: ما رأيك يا باسم؟ ولكن باسم كان سارحاً بخياله بعيداً كأنه في داخل قصة «أصحاب الفيل»، وعندما انتبه إلى صوت أبيه قال: ما أجملها من قصة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3698fjww

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"