عادي
في محاضرة بمجلس محمد بن زايد شهدها سيف بن زايد

الضويني: الإمارات وقيادتها.. أنموذج متقدم في التخطيط للمستقبل

01:03 صباحا
قراءة 6 دقائق

أبوظبي: سلام أبوشهاب

استضاف مجلس محمد بن زايد مساء أمس الأول محاضرة بعنوان «الإنسان والمستقبل والتحديات المعاصرة»، شهدها الفريق سموّ الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وألقاها الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، في مجلس محاضرات، جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي.

وحضر المحاضرة الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، والعلامة عبدالله بن بيّه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، رئيس منتدى تعزيز السلم، وعدد من الشيوخ والوزراء وكبار المسؤولين.

قال الدكتور محمد الضويني: هذا اللقاء الطيب يدل على أن أمتنا ما زالت بخير، وأنها تقدر أن تكون أمة واحدة يشد بعضها بعضاً، ويسعى بعضها في مصالحِ بعض، وأنقل لكم جميعاً تحيات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، الذي حمّلني محبته وتثمينه البالغ للشعب الإماراتي ولقيادته الحكيمة برئاسة صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.

وأشاد بجهود دولة الإمارات وقيادتها الحكمية ورؤيتها السديدة في التخطيط للمستقبل، لتقدم بذلك أنموذجاً متقدماً ومشرفاً في الوصول إلى الفضاء واستكشاف القمر وكوكب المريخ والتركيز على الابتكار والتفرد والتحديث والمرونة المؤسسية.

وقال إن الإمارات من أولى الدول التي سعت نحو ترسيخ القيم وإعلائها، فقد أسست مجلس حكماء المسلمين عام 2014 للمساهمة في تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة وغير المسلمة وتجنيبها عوامل الصراع الانقسام والتشرذم ونشر قيم التسامح والتعايش الإنساني وتأسيسها لمنتدى أبوظبي للسلم.

الإنسان والمستقبل

وأضاف أن الإمارات تضع الإنسان بين واقعه وما فيه من تحديات، ومستقبله وما له من متطلبات. ذاكراً ما أشار إليه الإمام الأكبر من أن نهج استشراف المستقبل ووضع خطط استباقية ليس جديداً على الإمارات، فقد وضع أسس هذا النهج حكيم العرب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وحمل اللواء أبناؤه من بعده في شتى المجالات، كالعلوم والابتكار واستكشاف الفضاء وإرساء قيم المحبة والإخاء والسلام.

وقال إن العالم المعاصر يمرّ بتحديات خانقة اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وهذه التحديات لا تتوقف عند مكان بعينه، فما تكاد تسمع بأزمة في ناحية من نواحي الأرض إلا وتظهر آثارها في نواح أخرى، وتأتي التحديات الاقتصادية شديدة الوطأة؛ فهي في مقدمة الأزمات، وينطق بآثارها فقر وجوع وحرمان وبطالة وفجوة متزايدة بين المعدمين والمترفين، وتحرم آثارها القاسية بيئات كثيرة من أقل مقومات الحياة. ولا تقل التحديات الاجتماعية خطراً، فالمجتمع الدولي يعاني تفككاً واضطراباً في نواته الصلبة، ألا وهي الأسرة، التي يراد لها أن تكون حلم حالم. وباسم الحقوق والحريات خرجت علينا أصوات منكرة شرعاً وعقلاً، وراحت تنادي مرة بعلاقات تأباها الفطرة السوية، وتتناقض مع ناموس الكون الذي خلق الله فيه كل شيءٍ ذكراً وأنثى.

وأضاف، أما التحديات السياسية، فيكفي أن ننظر إلى بعض الإحصاءات الدولية التي تكشف عن الرغبة في إشعال الحروب، وتجذير الخلافات، والعبث بالهويات والخصوصيات. وإذا كانت البشرية تعاني تلك التحديات، فإننا لو تأملناها، لأدركنا أنها في الأصل أزمة قيم أخلاقية، وأزمة غياب الروح في مقابل طغيان المادة، فكثير من المتخصّصين في السياسة والاقتصاد والاجتماع والصحة والتصنيع، والتعليم يحتاجون إلى مقاربة قيمية أخلاقية لتصحيح التصورات والممارسات على السواء.

التعامل مع المستقبل

وأكد أن الإنسان أصبح يعيش حالةً غريبةً، يسميها علماء الصحة النفسية «قلق المستقبل»، وانطلاقاً من عقيدتنا وإيماننا، فالواجب علينا ألّا نخاف المستقبل، بل نخطط له، والتخطيط للمستقبل ليس شعاراً برّاقاً، ولا رجماً بالغيب، ولا تعلقاً بالظن، وإنما هو علم له مناهجه يستخدم الماضي المدروس والحاضر الملموس لبناء مستقبل أفضل، ولا يجوز في عرف الإسلام الذي أمر بالعلم، أن يتخلف المسلمون عن علوم المستقبل. وبعض الناس يتصورون أو يصوِرون الدين معارضاً للتخطيط العلمي للمستقبل، وهذا كله من الخيال والوهم، وليس من التدين أن نعيش الحياة حاضراً ومستقبلاً بلا خطة ولا منهج ولا نظام، بل إن من التدين أن نخطط لحياتنا.

منظومة القيم

وقال إن حضارة الإسلام حضارة تعارف وتواصل، وليست حضارة استعباد ولا إقصاء. مشيراً إلى موقف فرتونة المصرية التي استنجدت بعمر بن عبد العزيز لمعاناتها مع اللصوص الذين يسرقون دجاجها، لقصر حائط دارها وتهدمه، وليس معها مال لبنائه. فكتب عمر إلى واليه على مصر أيوب بن شَرحبيل وطلب منه أن يذهب بنفسه إليها ويحصن دارها. كما أرسل رسالة إلى فرتونة، أبلغها بكتابه إلى أيوب بن شرحبيل. وهذا سطر واحد في سجل عظمائنا الذين نفاخر بهم الدنيا، ونقطة من بحر عظمة حضارتِنا.

وأضاف أن القيم الدينيةَ والأخلاق الحضاريةَ ما كانت لتؤذي الخلق، وهي التي تنادي بالمساواة بينهم، ونبذ التمييز والتعصب بكل أشكاله، وبهذه المساواة والعدالة انفتحت حضارة الإسلام على غيرها من الحضارات، فتأثرت بها، وأثرت فيها، وبهذه المساواة والعدالة يمكن لحضارة بني الإنسان اليوم ألا تظلم الإنسان، وأن تكون حضارة متكاملة. مستشهداً بكلام للإمام الطيّب «إنَّ دوراً محورياً في التصدي لهذا السقوط الحضاري يقع - في المقام الأول - على عاتقنا نحن علماء الديانات، يتمثل في إحياء رسالات السماء، ونشر ما تزخر به هذه الرسالات من تعاليم وأخلاق وفضائل، هي العدة والعتاد لإصلاح مسيرة الناس، وبعث الروح في جسدها الميت».

إنقاذ البشرية

وأوضح أن هناك مجموعة من القيم الإنسانية تكاد تتفق البشرية عليها، وتراها ضمانة حقيقية لإنقاذ البشرية مما هي فيه، وحماية مستقبلها من أي أزمات محتملة، وإن هذه القيم الإنسانية هي تلك القيم العامة التي تتعلق بكرامة الإنسان وتربط بين البشر في إطار من الحقوق والحريات والتراحم والإخاء والعدالة.

وأضاف انه لا يوجد تناقض بين القيم الإنسانية كما رسمها الفلاسفة والمفكرون والقيم التي جاءت بها الديانات، فالاثنتان تركزان على تحقيق حرية الإنسان وكرامته وسعادته.

وثيقة الأخوّة

وتحدث المحاضر عن وثيقة الأخوّة الإنسانية قائلاً: برعاية كريمة من صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد، جاءت جهود الرمزين الدينيين الأبرز في العالم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، اللذين قدما للعالم وثيقة أبوظبي التاريخية للأخوّة الإنسانية، الأهم في التاريخ الإنساني الحديث، بهدف تعزيز قيم التعارف والتعايش، والتواصل والحوار، وإقرار هذه المبادئ لا يعني أبدا أننا نفرط في عقيدتنا، كما يظن بعضهم؛ فالعقيدة ليست مجالاً للمساومات ولا المفاوضات، ولا الاعتداء على الخصوصيات، ولا مسخ الهويات، وإنما ننادي على الإنسانية بالأخوّة انطلاقًا من ديننا وعقيدتنا التي نتمسك بها ما حيينا.

وأكد أنَّ «الأخوّة الإنسانيةَ» لا تفرق بين الشعوبِ، فليس لشعب حق في الحياة دون شعب، ولا تفاضل بين الأمم، فليس لأمة حق في الأمن دون أمَّة، وأن «الأخوّة الإنسانية» ليس لديها عدة مكاييل، وإنما تكيل بمكيال واحد؛ فتستنكر هناك ما تستنكره هنا، وتستنكر هنا ما تستنكره هناك.

وأضاف الوثيقة التي تعد الأهم في تاريخ الحوار بين أتباع الديانات والثقافات حتى يهدأَ المشككون، جاء في مقدمتها: «وانطلاقاً من الإيمان بالله الَّذي خلق النَّاس جميعاً، وخلق الكون والخلائق، وساوى بينهم برحمته، فإن المؤمن مدعو للتعبير عن هذه الأخوّة الإنسانية بالاعتناء بالخليقة وبالكون كله، وبتقديم العون لكل إنسان، لا سيما الضعفاء منهم».

وفي ختام المحاضرة قال الدكتور الضويني: إني لأجد الفرصةَ الآن سانحةً لأمتنا لتقوم بواجبها تجاه الإنسانية، بما قدمه التراث الإسلامي والعربي من ثروة فكرية علمية استطاعت أن تدير حضارة شهدت لها الدنيا، وهي قادرة إن شاء الله أن تعود لأمجادها أمَّة هادية مؤمنة كما أرادها ربُّها.

وأرجو أن يكتب التاريخ عن العرب والمسلمين في سجلاته الَّتي لا يمحوها تغاير الأعصر أنَّهم كانوا جديرين بوراثة النُّبوَّة، وأنهم يقدرون على استخدام قيم الإسلام وأخلاقياته في حل المشكلات الإنسانية حين يحسنون فهم الإسلام، ويحسنون العمل به، ويحسنون عرضه على غيرهم.

فيديو عن بيت العائلة الإبراهيمية

عرض في بداية المحاضرة فيديو بمرئيات من بين العائلة الإبراهيمية، تضمن مشاهد ولقطات للديكورات الداخلية للمباني الدينية الثلاثة، ومقطعاً صوتياً للآية الكريمة «ولَقدْ كَرَّمْنا بني آدم»، وشعراً يوضح أن جميع البشر مكرّمون عند الله.

الضويني في سطور

وكيل الأزهر الشريف.

حصل على الإجازة في الشريعة والقانون من كلية الشريعة والقانون والماجستير في الفقه المقارن والدكتوراه في الفقه المقارن بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة الأزهر في القاهرة.

نال اللقب العلمي لدرجة أستاذ في الفقه المقارن من كلية الشريعة والقانون عام 2017.

عين وكيلاً لكلية الشريعة والقانون لشؤون التعليم والطلاب عام 2019.

تقلد منصب أستاذ الفقه المقارن، والأمين العام لهيئة كبار العلماء عام 2020.

عمل رئيساً لأكاديمية الأزهر العالمية لتأهيل وتدريب الأئمة والوعاظ وباحثي الفتوى.

عمل أستاذاً مشاركاً في أكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة في سلطنة عُمان، ونشر له كثير من الأبحاث والدراسات المهمة.

المُحاضر:

  • «الأخوّة الإنسانية» الأهم في تاريخ الحوار بين أتباع الديانات والثقافات
  • الإمارات من أولى الدول
  • التي سعت نحو ترسيخ القيم وإعلائها
  • التحديات العالمية أزمة قيم أخلاقية وغياب الروح مقابل طغيان المادة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2rdpk668

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"