عقيدة السياسة الخارجية لروسيا

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

منذ عقود طويلة تسعى الولايات المتحدة، إلى استدراج الدول التي تعارض مصالحها لايقاعها في أزمات أمنية أو اقتصادية أوسياسية خطرة، وهي التي أدمنت خداع العالم، وتدبير المؤامرات هنا وهناك، من أجل ترتيب الساحة العالمية بما يتوافق والمصالح الأمريكية والغربية الأنانية.

 وفي كل أزمة تختلقها أو صراع مسلح تشعل فتيله واشنطن في مؤامراتها السرية كانت الأيام تفضح الدور الأمريكي، كما جرى في معظم الحروب التي شهدها العالم، ولا سيما حربي العراق وأفغانستان، حيث انكشف بوضوح الكذب الأمريكي على العالم، وخاصة فيما يتعلق بالحرب على العراق، التي بررتها واشنطن بمزاعم حول امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، لم تكن موجودة سوى في العقل الأمريكي الذي يبحث عن ذرائع لتبرير السياسة الأمريكية.

 وفي أيامنا هذه يبدو لكل متتبع للأحداث أن ما يدور في أوكرانيا من حرب طاحنة، ليس سوى نتيجة منطقية لسياسة الخداع الغربي عامة والأمريكي بشكل خاص، التي مورست حيال روسيا خلال العقود الثلاثة الماضية، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي. فرغم تعهد واشنطن صراحة لموسكو بعدم توسع الناتو شرقاً مارست عكس ما التزمت له، رغم علمها بحساسية هذا الأمر بالنسبة لروسيا، وكأن الولايات المتحدة تسعى عمداً إلى استفزاز روسيا، وجرها إلى مستنقعات وحروب جانبية، تعيق محاولاتها استعادة عافيتها.

 ولذلك فإن أحداً لا يخامره الشك بأن كل الأزمات التي أحاطت بروسيا كانت من صنع الغرب والولايات المتحدة، رغم انفتاح موسكو للتعاون مع الغرب والولايات المتحدة خاصة.

 لكن الأحداث وما يجري حالياً في أوكرانيا أثبت مرة أخرى سياسة الخداع والمراوغة التي يعتمدها الغرب حيال موسكو لإبقاء الهيمنة الغربية على العالم، وهو ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى التوقيع على مرسوم يتضمن نسخة محدثة من العقيدة السياسة الخارجية لروسيا، تقدم الولايات المتحدة والغرب على أنهما مصدر «تهديدات وجودية» لروسيا، مؤكداً في الوقت ذاته أن روسيا تسعى لإرساء نظام عالمي جديدة.

 من جانبه، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في كلمة أمام أعضاء المجلس، أن المفهوم الجديد للسياسة الروسية يطلق على الولايات المتحدة تسمية «المبادر الرئيسي والمحرض الرئيسي على انتهاج الخط المناهض لروسيا»، مشيراً إلى أن الغرب بصفة عامة ينتهج سياسة تهدف إلى إضعاف روسيا من جميع النواحي، ما يمكن اعتباره «حرباً هجينة من نوع جديد».

 وأكد المسؤول الروسي أن العقيدة الجديدة ستقوم على استخدام روسيا للقوة ضد كل من يهدد أمنها، محذراً أي محاولات لاختراق السيادة الروسية، مؤكداً ان هذه المحاولات ستقابل برد فوري وقوي. ولعل من المفارقة اللافتة أن تأتي هذه التطورات متزامنة مع تصريحات أدلى بها ضابط المخابرات الأمريكي المتقاعد، سكوت ريتر قال فيها إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ردّ على نشر نظام الدرع الصاروخي الأمريكي في أوروبا، بتطوير صواريخ فرط صوتية لا يمكن اعتراضها.

وأشار إلى أنه منذ عام 2000، بدأت السلطات الأمريكية بنشر الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية، وأنها حاولت في الوقت نفسه إقناع روسيا بأن هذه المنظومات لا تهدف لتدمير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. ونقلت وكالة نوفوستي عن ريتر قوله: «لقد كذبنا على الروس».

 أخيراً، يمكن القول إن العقيدة السياسية الخارجية لروسيا، التي أعلنها الرئيس بوتين، تثبت أن روسيا باتت مدركة وربما أكثر من أي وقت مضى بأن واشنطن والغرب عامة لا يسعيان لعالم متوازن يسوده الاستقرار والسلام، وإنما يسعيان للهيمنة على العالم فقط، وهو استنتاج بات يدركه الكثير من دول العالم، ولا سيما تلك التي اكتوت بنار السياسات الغربية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4etazjuy

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"