عادي
عاش فقيراً في عصر مضطرب

ليونيد أندرييف.. أديب «الضحك الأحمر»

00:37 صباحا
قراءة 3 دقائق
لوحة لبيكاسو

القاهرة: «الخليج»

عاش الكاتب الروسي ليونيد أندرييف (1871 – 1919) حياة فقر، شبه جائع، يعطي دروساً خاصة، ويخوض نقاشات مع زملائه حتى الصباح، فقد كان عصره شديد الاضطراب، مليئاً بالأحداث الجسام، تخترقه النظريات السياسية والاجتماعية والأفكار الفلسفية والتيارات الأدبية من كل نوع.

ولد أندرييف لأب موظف وسافر في سنة 1891 إلى بطرسبورج لدراسة الحقوق في جامعتها، في ظل هيمنة أجواء بوليسية، بعد محاولة اغتيال القيصر الروسي ألكساندر الثالث، وتفشي روح التشاؤم والإحباط، ودعوة ليف تولستوي إلى عدم التصدي للشر بالعنف، من جهة، والانتشار الواسع للحركة الشعبية والنظرية الماركسية في روسيا خلال التسعينيات، من جهة ثانية.

بعد ذلك تأتي هزيمة روسيا أمام اليابان عام 1904 والثورة الروسية الأولى سنة 1905 والحرب العالمية الأولى عام 1914، والثورة عام 1917، ثم الحرب الأهلية، وهذه الأجواء والظروف المشحونة التي كان يختمر فيها المجتمع الروسي والطليعة السياسية والمثقفون بالدرجة الأولى، مثلت تربة خصبة لشحذ حساسية أندرييف.

جنون

يوضح نوفل نيوف في ترجمته لأربع قصص لأندرييف في كتاب صدر تحت عنوان «كتاب الجنون» أن الكاتب الروسي كان مولعاً على وجه الخصوص بقراءة جوجول الذي مات مجنوناً، وجارشن الذي مات منتحراً في الثالثة والثلاثين من عمره، يضاف إلى ذلك انتشار فلسفة التشاؤم متمثلة بترجمات الفيلسوفين الألمانيين شوبنهاور وإدوارد هارتمان، وظهور أوائل المتأثرين بفلسفة نيتشه.

كانت الأعمال الأدبية التي كتبها أندرييف وثيقة الصلة بمجمل القضايا والإشكالات والتناقضات التي يغلي بها زمانه، وكان الكاتب يعيش ذلك بعمق وبكيانه كله، مؤكداً في الوقت نفسه نأيه بإبداعه الواقعي عن أن يكون نسخة عن الواقع، فيقول إنه يكتب من رأسه فقط، لقد كان الأدب، في نظره، مسؤولية وموقفاً من الحياة، وهذا ما عبر عنه عام 1913 بقوله: «لم يكن الأدب أبداً تسلية بعد الغداء، وفي اللحظات التعيسة التي أصبح فيها كذلك كان يموت».

وعلى مدار سنوات طويلة كان أندرييف وإبداعه مثار جدل قوي وطويل بين مختلف التيارات السياسية والأدبية، وربما تكون القطيعة أو نهاية ما يوصف بعلاقة الأصدقاء الأعداء بين المتمرد الفردي المتناقض ليونيد أندرييف والمتمرد الاشتراكي مكسيم جوركي، برغم أن مجموعته القصصية الأولى صدرت عام 1901 في دار المعرفة التي كان يترأسها جوركي، وهي المجموعة التي حظيت باستقبال دافئ، وارتقت بأندرييف إلى مصاف كتاب جيله الكبار.

تمثل الحرب الروسية اليابانية (1904) الخلفية العامة التي دفعت بأندرييف أواخر ذلك العام إلى كتابة قصة «الضحك الأحمر» التي كان يعدها أحب قصصه إلى نفسه، وقد أنجزها في تسعة أيام، وكان يتمنى لو يستطيع الرجوع إليها، ليعيد النظر في مناطق عديدة منها، إلا أن أعصابه لم تعد تقوى على العمل فيها، لقد كان على شفا الجنون، وظل ثمانية أشهر متواصلة لا يستطيع أن يمد يده إلى القلم.

قطيعة

هذه القصة هي التي عمقت القطيعة بينه وبين جوركي، الذي طالبه بأن يعيد النظر فيها لينطلق من وقائع الحرب وفساد النظام القيصري ويبتعد عن النظر إلى الحرب عموماً نظرة مجردة، نظرة من يؤمن بوجود قوة شريرة تتحكم بالعالم وبأهمية فائقة للحدس في العملية الإبداعية على نحو ما يرى شوبنهاور.

عبر أندرييف نفسه عن هذا الافتراق بقوله سنة 1906: «إن جوركي نفسه راية حمراء، أما أنا فضحك أحمر، شيء ليس له قيمة بالمعنى السياسي، إنني في الحقيقة ثوري، من حيث جوهر نشاطي الأدبي، ولكن ليس تلك الثورية التي تتطلبها اللحظة» ومع ذلك نشر جوركي «الضحك الأحمر» في كتاب مخصص لتكريم تشيكوف، صدر في يناير 1905، فلاقت القصة استقبالاً منقطع النظير بين القراء والنقاد في روسيا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9ezmdw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"