بين «البريكس» وصندوق النقد

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ون بين، في تصريحات إعلامية، أن بلاده ستتمسك بروح الانفتاح والشمولية في دول «بريكس»، وستعزز التعاون مع الدول النامية. ونقلت وكالة سبوتنيك الروسية، عن الدبلوماسي الصيني قوله، خلال إحاطة إعلامية، رداً على سؤال للوكالة بشأن انضمام تونس لتجمع بريكس: «ستواصل الصين الحفاظ على روح الانفتاح والشمولية والتعاون القائم على المنفعة المتبادلة لبريكس، والعمل مع شركاء بريكس لتعزيز التعاون مع الأسواق الناشئة والدول النامية الأخرى، والمساهمة بشكل مشترك في توسيع عضوية «بريكس» من خلال مناقشات شاملة وتوافق في الآراء». يبدو الخبر عادياً، لكن أن تكون تونس هي موضوع الحديث في هذه الفترة بالذات، فهذا لا يعني أن الأمر أتى عبثياً؛ بل هو بالون اختبار لتحولات جيوسياسية كبرى في منطقة شمال إفريقيا، خاصة إذا ما علمنا أن الجزائر هي بصدد انتظار إعطائها الضوء الأخضر للانضمام رسمياً إلى تحالف البريكس، ولمؤسساته المالية التي بدأت تشق طريقها كمؤسسات تمويلية بديلة لصندوق النقد الدولي. تونس هي الآن في قلب صراع طاحن بين الشرق والغرب، وهو ما دفع كبار المسؤولين الأوروبيين من التحذير بأن روسيا والصين باتتا تقفان على الحدود الجنوبية لأوروبا. فلماذا تحذّر إيطاليا من وصول الروس والصينيين إلى تونس؟ ولماذا تضع إيطاليا نفسها وكأنها وصية على مصير الشعب التونسي؟ ولماذا تسعى إلى تحديد «ضوابط» للسياسة الخارجية التونسية، وكأنها ولية أمر هذا الشعب، في استعادة لعلاقة روما بقرطاج بعدما أحرقتها.

 وزير الخارجية الإيطالي عبر صراحة وفي أكثر من مرة عن صراع خفي بدأ يظهر للعلن بين معسكري الغرب والشرق، على تونس، وقد حذّر من وصول الروس إلى تونس، و هدد حلفاءه الغربين قائلاً إما نحن أو الصين وروسيا. صحيح أن إيطاليا هي الشريك الاقتصادي الأول لتونس وذلك لعدة اعتبارات بعد أن كانت فرنسا هي الشريك الاقتصادي الأول، وصحيح أن مئات الآلاف من التونسيين يستقرون في إيطاليا بين مهاجرين شرعيين و آخرين غير شرعيين، لكن لماذا تريد إيطاليا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي والغرب عموماً إغلاق منافذ الشرق على تونس؟ هل خوفاً على مصالحهم أم رغبة في إبقاء تونس في حلقة الفقر والعدمية والتبعية الشاملة للغرب. فمعروف أن الشرق الآن هو الذي يحتل المرتبة الأولى من حيث خلق الثروات، وخزائن العالم تحولت إلى الشرق الناهض بعد أن بدأت شمس الغرب في الأفول. وهل يستطيع قوس الاستعمار (الذي امتد طوال قرن ونصف في الوطن العربي وإفريقيا وجنوب آسيا) أن يسحب صفة الشرق عن تونس، التي تعود أسس حضاراتها المتعاقبة إلى الشرق العظيم؟

 الصوت الغربي الرافض لانزياح تونس نحو محيطها الطبيعي الثقافي والحضاري و الاقتصادي والمالي وهو الشرق، يظهر من محاولات إخضاع تونس وبقوة الديون هذه المرة لمراكز النفوذ الغربية، فضلاً عن تلك المحاولات التي اعتدنا عليها والمتعلقة بحقوق الإنسان وحرية التعبير، لكن الأخطر هذه المرة هو حدة الصراع بين قوى الشرق وقوى الغرب، وهذا الصراع قد تدفع ثمنه شعوب ليست طرفاً في الصراع، لكنها ستكون في قلب المعركة بكل أدواتها.

 الرئيس قيس سعيّد، أعطى إشارة واضحة عن توجهات تونس المستقبلية، من خلال التأكيد على أن تونس ليست مجرّد ملف في أروقة المانحين الدوليين أو غرف هندسة السياسات الدولية؛ بل هي دولة مستقلة وشعب حر ومصيره بيده لا بيد روما أو باريس أو واشنطن. كما حدد خيارات واضحة في ما يتعلق بمسألة صندوق النقد وقضية الديون عموماً من خلال تأكيده على «ضرورة التعويل على النفس». وهذا هو مربط الفرس بالنسبة لتجارب الدول التي تحررت من أسْرِ «صندوق النقد» والتي فرّت من جحيم المانحين «المستعمرِين». 

 ولكن التحرر الأكبر يجب أن يُبنى على أساس مشروع وطني يستثمر ما هو متوفر من إمكانات على أرض الواقع، ويستثمر الخبرات البشرية و الكفاءات والمهارات التونسية التي أثبتت نفسها في كل أنحاء العالم وفي كل المجالات. التحرر مشروع وطني لا اختلاف فيه أو عليه، لكن يستوجب توفير الأسس العقلانية حتى يستمر ويثمر نهضة وتقدماً وحداثة حقيقية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/57vpzeez

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"