حلم «الاستقلال الاستراتيجي»

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

بدأت فرنسا، الدولة التي تمثل الركن الأساسي في الاتحاد الأوروبي، تتململ من الشعور ب«التبعية» لأمريكا في معاركها مع خصومها، فماكرون الذي تقف خلفه الدولة العميقة، يرى أن السير بنسق واحد مع الولايات المتحدة في السياسات العالمية، مورد للمهالك، ويعود على القارة الأوروبية بالويلات التي لن يكون بمقدورها التعامل معها، أو التخفيف من آثارها.

 حلم الرئيس إيمانويل ماكرون في «الاستقلال الاستراتيجي» عن واشنطن، سبقه إليه شارل ديغول الذي كان يدافع عن فكرة استقلال القرار الأوروبي عن القوتين المتصارعتين في ذلك الوقت، وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لكن ما يميز المرحلة الراهنة، أن فرنسا لم تعد تقبل أن تبقى حبيسة الأحلام، وتريد النهوض بالقارة الأوروبية؛ بحيث يكون موقعها على الخريطة نداً للدول العظمى، وتكون، في الوقت ذاته، مستقلة في قراراتها، تختار ما يناسب مصالحها، لا مصالح واشنطن، ولأجل ذلك بدأت بخطوات عملية، بدءاً من دعوة ماكرون الصريحة لاتحاد أكثر استقلالية، من الناحية الاقتصادية والصناعية، مروراً بخطابه: «أسوأ شيء هو الاعتقاد أننا  نحن الأوروبيين  يجب أن نكون أتباعاً»، وليس انتهاء بالرغبة الواضحة في الاستقلال بالقرار حول مسألة تايوان، وعدم الوقوف مع طرف ضد آخر.

 ماكرون أراد أن تكون مسألة تايوان الشعرة التي تقصم ظهر الانقياد لأمريكا، موجهاً من خلال زيارته لبكين، رسالة إلى واشنطن بأن عصر السذاجة الأوروبية تجاه الصين قد ولّى، وأن الهدف من زيارته تعزيز الشراكات؛ بغية إيجاد أرضية مشتركة مع الصين. وبالطبع الموقف الفرنسي يستند إلى رؤية أوروبية، فرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، حثت على «عدم المخاطرة» بالعلاقات مع الصين، لأنها تدرك، إلى جانب العديد من قادة القارة، أن نشوب صراع في تايوان، سيغلق المضيق الذي تمر به نحو 50% من التجارة العالمية، كما سينعكس ذلك على الأمن العالمي الهش أصلاً، وستكون أوروبا في مهب الريح وسط صراع مرير بين ثلاث دول كبرى، الولايات المتحدة والصين وروسيا.

 ما جعل الصوت الفرنسي يرتفع أخيراً، هو نتائج الحرب الروسية - الأوكرانية؛ حيث كانت القارة العجوز ضحية هذا الصراع الذي أذكته واشنطن، كي تستنزف من خلال أوكرانيا، روسيا الصاعدة، التي تنافسها في قطبية العالم. فأمريكا أرادت ضرب عصفورين بحجر، أولاً إضعاف موسكو على الصّعد كافة؛ بحيث تحتاج إلى سنوات طويلة لترميم قوتها، وثانياً تخويف أوروبا من خطر روسيا، وإقناعها بأنه لا مناص من التحالف معها لحفظ أمن القارة، إضافة إلى إنهاك القارة بالحرب، التي تسببت في ضياع الكثير من مواردها الاقتصادية والعسكرية، بحيث تحطم نوايا الاستقلال التي تعلو بين الفينة والأخرى بين دول أوروبا.

 دول أوروبية عدة تسعى للابتعاد عن كونها ساحة صراع بين الأطراف، تكون هي ضحيته، لذا فإنها بدأت تضع حدوداً لحملات توريطها من الولايات المتحدة. فهل تنجح، أو أن أمريكا فرضت سطوتها، بحيث لا مناص من التحالف معها، كي لا يكون الخيار الآخر الدخول بأزمة معها في عالم مضطرب جداً؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/55sts33b

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"