عادي
فرانسيس إدموندز أبرز فناني القرن التاسع عشر

«السمسار».. الرسم ينتقد الروح الأمريكية

16:10 مساء
قراءة 4 دقائق
الشارقة: عثمان حسن
فرانسيس ويليام إدموندز (1806 – 1863) رسام أمريكي ولد في هدسون في مقاطعة كولومبيا على الضفة الشرقية لنهر هدسون.. حافظ على اهتمامه بالرسم جنباً إلى جنب مع اهتمامه بالعمل المصرفي، وكان أول اتصال له بتعلم الفنون من خلال التحاقه بين 1827 و1830 بالأكاديمية الوطنية للتصميم التي تأسست في 1826.
اهتمام فرانسيس ويليام بالرسم مع اهتمامه بالأعمال الصيرفية، طبع أعماله الفنية في ضوء اشتراطات ثقافة السوق، بمعنى قراءة اللوحة في مقابل السياقات الفنية والاقتصادية ورواج ثقافة بيع المنتج الفني، حيث شهدت أعماله رواجاً منقطع النظير.. وفي هذا المجال يمكن قراءة العديد من أعماله خاصة لوحة «السمسار» أو «المضارب» التي أنجزها في عام 1852.
تصور لوحة «السمسار» زوجين ريفيين يستمعان بتشكك لأحد ممثلي جمعيات البناء الذي يزورهما في البيت لإقناعهما ببيع منزلهما، والاستعاضة عنه بقطعة أرض على طريق السكك الحديدية، يمارس البائع حنكة ومهارة المضارب أو السمسار الذي يعد الزوجين بحياة أفضل على طريق سكة الحديد، من خلال إبرازه لقائمة تحتوي على نحو 1000 قطعة أرض على طريق سكة الحديد.
في هذه اللوحة، برع فرانسيس إدموندز بتصوير مقتنيات المنزل على نحو مثير للدهشة، فالبيت في هذه اللوحة يكشف عن مجموعة لافتة من لوازم المنزل، وما فيه من أثاث، فهناك السلة التي نسجت من الخوص، وهناك الكرسي الذي صنع من الخيزران، وهناك المدفأة وغيرها من التفاصيل المعلقة على الجدران، وهي مقتنيات أثارت الكثير من الجدل لجهة توصيفها من قبل نقاد الفن.
يظهر فرانسيس إدموندز البائع بقبعته السوداء الملقاة إلى جانبه، وهناك حذاؤه المدبب والمظلة، وقد أراد الرسام من خلال هذه اللوحة أن يبرز الطابع الهزلي في الممارسات التجارية التي كانت رائجة في ذلك الوقت، وهذا يدل على الطبيعة المخادعة لذلك الوقت، حيث كانت الديمقراطية تعني منح الفرص للجميع، وهي في الحقيقة، وكما يلمح فرانسيس إدموندز، وأيضاً نقاد الفن ما هي إلا فرص مصطنعة، ويقع في حبائلها الكثيرون، وهؤلاء في الأغلب كما هو حال صاحب المنزل وزوجته من السهل استدراجهم لمثل هذه الصفقات والمضاربات التي كانت شائعة في ذلك الوقت، خاصة في المستوطنات التي تحلم بالنمو إلى مدن كبيرة وعصرية.
---------------
*المدفأة
---------------
تساءل النقاد عن المدفأة الظاهرة في المنزل، وما إذا كان فرانسيس قد رسمها على غرار الطراز الهولندي في رسم بيوت المزارعين في القرن الثامن عشر، خاصة في مقاطعة كيندريك / نيويورك، وبحسب المؤرخة الفنية «روث بيونكا» التي اختصت بالناحية المعمارية لوادي نهر هدسون، وبعد أن عاينت لوحة «السمسار» فقد أكدت أنها لم تشاهد مدفأة مثل هذه في المنازل المبنية على الطراز الهولندي، بل هي أقرب إلى المدافئ الإنجليزية.
أدرج إدموندز أشياء أخرى في اللوحة تشبه تلك التي صنعها مهاجرون لبنانيون كانوا يبيعون منتجاتهم لعائلات محلية تعمل في الزراعة، فالكرسي الذي يجلس عليه المزارع مصنوع من الخيزران ويشبه الكرسي الهزاز، أما سترة المزارع فتشبه كذلك الملابس المصنوعة في جبل لبنان؛ حيث هاجر كثير من اللبنانيين إلى تلك المقاطعات.
أما الميزان المعلق على الموقد خلف المزارع، وكذلك المنشار المعلق فوق السمسار، ففيهما الكثير من التورية المرئية -إن جاز التعبير- لتفاصيل وإشارات وربما أمثال وحكايات من زمن هولندا القرن السابع عشر.
-----------------
*خلفية
-----------------
طرحت لوحة «السمسار» عدة أسئلة لجهة ما فيها من أشياء منزلية قد يكون الرسام إدموندز قد رآها في مقاطعة كولومبيا؟، فهو قد رسم مراراً وتكراراً لوحات من النوع الذي تظهر فيها التصميمات الداخلية المحلية، وتصور الأشياء المنزلية بتفاصيل دقيقة الملاحظة، وفي زيارته إلى أوروبا في عام 1840، أعجب إدموندز بأعمال رسامي القرن السابع عشر الهولنديين مثل: غابرييل ميتسو الذي شاهد لوحاته في متحف اللوفر في باريس.
لقد جادل النقاد في توصيف السلة الظاهرة في اللوحة، بين من ينسبها إلى حرف الفلاحين التاغانيك، ومن يقطع بكونها جاءت من مهاجرين لبنانيين أتقنوا صناعة السلال، فسلال تاغانيك لا تشبه سلال اللبنانيين، رغم أوجه التشابه المذهلة بين النوعين، فالسلة في اللوحة استوحاها الفنان إدموندز من السلال اللبنانية الشعبية التي صنعت في قوالب تضمن التماثل، بينما استخدم حرفيو التاغانيك الذاكرة البصرية والقوة العضلية في تصنيع السلال، وهذا يبين الفرق بين النوعين من حيث الشكل ونمط النسيج، والأيدي الماهرة الرشيقة في إبداع التفاصيل كما هو بارز في اللوحة.
تمكن فرانسيس إدموندز، أحد الرسامين القلائل في منتصف القرن التاسع عشر، من ممارسة مهنة مزدوجة في الفن والأعمال، ليصبح شخصية مؤثرة في المجالات المترابطة للبنوك والسياسة والثقافة في مدينة نيويورك، ففي عام 1823، أصبح كاتباً في بنك التجارة في مدينة نيويورك، وقد شغل منصب مدير العديد من شركات السكك الحديدية والتأمين، وكان نشطاً في الحزب الديمقراطي.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4h2beeak

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"