النمو الاقتصادي والكياسة المحلية

21:34 مساء
قراءة 3 دقائق

النمو الاقتصادي يشبه مادة تشحيم اجتماعية تعمل على تسهيل التوترات في الوقت الذي تشيع فيه الأمل في الشعوب. فالمجتمعات التي يتجمد – بل وأسوأ من هذا يتدهور فيها نصيب الفرد من الدخل، بحكم تعريفه، لا يمكن أن تقنع شبابها بأن ثروتها الاقتصادية سوف تتحسن عندما يكبرون. ومن دون الأمل قلما توجد، إن لم تنعدم، روح ريادية الأعمال للسعي لتحسين المستوى المعيشي للفرد، فضلاً عن المستويات المعيشية للأحياء المجاورة، أو للمدن أو للدول بأجمعها. وباختصار، أن عدم وجود نمو يمكن أن يصبح في حد ذاته عقبة أمام التقدم الاقتصادي، أو ما هو أسوأ من ذلك.

وكما قال أستاذ الاقتصاد في جامعة «هارفارد»، بن فريدمان Ben Friedman بشكل مقنع، فإن النمو البطيء يمكن أن يوفر البيئة التي تغذي عدم الثقة، بل وفي الأغلب الكراهية، لاسيما إذا اقترن ذلك بزيادة عدم المساواة. وأشار إلى أنه ليس من قبيل المصادفة أن بعضاً من أسوأ فترات التعصب نحو الأمريكان الأفارقة والمهاجرين، فيما بعد الحرب الأهلية في تاريخ الولايات المتحدة، (أواخر القرن التاسع عشر، وفي الثلاثينات والسبعينات وأوائل الثمانينات من القرن العشرين)، حدثت خلال فترات النمو البطيء أو السلبي. وأسوأ مثال على ذلك كان بالطبع قيام النازية في ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى، عندما كان ذلك البلد غارقاً في التضخم المفرط وركود النمو (وفي النهاية الكساد الاقتصادي). وفي الآونة الأخيرة على سبيل المثال، في العقود الأخيرة من النمو البطيء والبطالة المرتفعة، تعاملت القارة الأوروبية باستهتار مرة أخرى مع العداء للآخر، في الوقت الذي كانت تجمع في داخلها نزعة قوية من المشاعر المناهضة للمهاجرين. والعكس قد يكون صحيحاً بالنسبة للاقتصادات الآخذة في النمو، ويقول الاقتصادي مايكل لندل: «إن النمو الذي تحركه التكنولوجيا ضروري إذا كان يتعين علينا ألا نغرق في مشاكلنا»، ويرى أنه من دون النمو الاقتصادي السريع الذي تحركه التكنولوجيات الجديدة، لن يكون من الممكن الحد من الفقر. فهذه الاقتصادات لديها فرصة طيبة لتستفيد من الدائرة الحميدة. حيث إن الشباب يمكنهم أن يعولوا على أنهم سيعيشون حياة أفضل، على افتراض أنهم سيعملون جادين لتحقيق ذلك، فالزائرون للإمارات أو الهند أو الصين أو أيرلندا– على سبيل المثال – يتحدثون عن الحيوية وإحساس الإثارة اللذين لا يسمع عنهما المرء في أوروبا الغربية، وهي الدول الغنية بالنسبة لتوزيع الدخل في العالم، كما لا يسمع عنهما في كثير من بلدان أمريكا اللاتينية، أو إفريقيا, وهي الدول الأقل من ناحية توزيع الدخل العالمي.

إن النمو يتيح فرصاً، تقوم بدورها بإطلاق العنان، ليس للأمل فحسب، بل وكذلك لأخلاقيات العمل التي تساعد في تحول الفرص إلى واقع، وترى دراسات أمريكية انه يوجد الكثير من هذه الطاقة وهذا التفاؤل في جيوب الولايات المتحدة، في تجمعات التكنولوجيا العالية، وفي أجزاء من بعض المدن الأمريكية. وسيكون التحدي هو كيفية الحفاظ على هذا المزيج من الطاقة، والأمل في العقود التالية، والواقع قد يكون هذا التفاؤل مبالغاً فيه نتيجة تزايد عدم المساواة فيها، ويفسر توماس بكيتي، مبررات هذه الظاهرة في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر. ومن بين هذه المبررات القول بأن الأثرياء يستحقون ثرواتهم، وأن الثروة تتساقط من أعلى إلى أسفل (يستفيد من منافعها الآخرون من غير أصحابها)، والأثرياء يعيدونها في شكل أعمال خير، وإحسان، وأن الملكية تعني الحرية والفقراء لا يستحقونها. أما الحجج المفضلة لتبرير اللا مساواة، فهي فشل الشيوعية، وأن المال سيذهب إلى السود. وهذه الحجة، حسبما يقول بيكيتي، توضح لنا لماذا توجد أعلى معدلات اللامساواة في البلدان التي فيها انقسامات عرقية تاريخية، مثل الولايات المتحدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2vnbarcm

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"