وما أدراك من «العرّيف»

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

كم من أشخاص مروا علينا، يستحيل ألا يملكوا جواباً لكل شيء، وكأنما كلمة «لا أعلم».. محرمة عليهم، يفتون في شؤون الحياة وعلومها وأسرارها..إن سألتهم في السياسة، فالعلم عندهم، وإن سألتهم في الاقتصاد فأبسط كلمة لديهم «أزمة قادمة».. والأدهى حينما يفتون في الطب 
والعلوم.. يحللون ويحذرون ويشمتون.
سأل أحدهم عالماً حول صفات الجاهل، فقال: «تراه يجيب عن كل ما سُئل عنه..ذاكراً كل ما عَلم.. معبراً عن كل ما شهد، فاستدل بذلك على وجود جهله»..
صفات كهذه لا يقع ضررها على صاحبها فحسب؛ بل هي كالداء يستشري في جسد المجتمع، ووجودها أخطر من أي وقت مضى؛ حيث تنتشر المعلومة اليوم بشكل سريع، فهو من الجاهلين الرقميين الذين أتيحت بين أيديهم وسائل التواصل الاجتماعي، فنجدهم ينشرون بلا وعي، ولا مسؤولية.. ولا ننادي هنا بإسكات حرية التعبير عن الرأي، كونه يعد حقاً مكتسباً دستوراً، لكن يجب ألا يتعارض مع الحقيقة والمعرفة ومع حريات الآخرين وشؤونهم الخاصة.. فلم يكن هنالك تسفيه وشتائم، وسباب علني وتراشق رقمي كما نراه اليوم.
من عندهم تشتعل جذوة المعلومة المضللة، وبين جهلة آخرين تنتشر بمزيد من البهارات التي تضيف للقصة أبعاداً وتحليلات منمقة، تسري على عقول العقلاء أحياناً وتثير بلبلة وفوضى؛ نتيجة التسرع والاندفاع، وهم «إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً». 
افتتن هؤلاء بحب الظهور وزيادة أعداد المتابعين وأعداد الإعجابات، وتداول آرائهم ومقاطعهم، والأدهى إن كانوا يملكون حلو اللسان والمظهر..فيتفاقم فيهم شعور الكبر، وتعمى بصيرتهم، متناسين أن الله  عز وجل  خلقنا متفاوتين في كل شيء، ومنها علمنا ومعرفتنا.
وهنا تأتي أهمية الرقابة الذاتية، وحس المسؤولية الفردية والمجتمعية حول ما نكتب ونقول ونعلل قبل تبيان الأمر ومروره عبر «فلاتر العقل 
والقلب».. وإلا فكلمة «لا أدري» هي الأسلم ولا تصدر إلا من عاقلٍ وحكيم..
وهذا يحمّل فئة المؤثرين والمشاهير، مسؤولية مضاعفة، كونهم مُنحوا ثقة الناس؛ إذ يخشون أحياناً أن يظهروا بمظهر الجاهلين، فيخوضون في كل شيء غير مدركين أن ذلك يفقدهم مصداقيتهم، وثقة الآخرين بهم.. فتأكد أنه مهما علا شأنك واحترامك بين الناس لا يزيدك قول «لا أعلم» إلا احتراماً وتقديراً أكبر.
وتذكر أنه ليس كل معلومة قابلة لأن تُقال وتتداول، نظراً لتفاوت وعي الناس حولها وحول تقبلها واستعدادهم لفهمها.. وقد تقال في غير وقتها فتزيد النار حطباً.. فما أدراك من «العريف»!!.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ucxvhtx

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"