اقتصاد عمل الخير

22:29 مساء
قراءة 3 دقائق
د. راسل قاسم*

منذ أن أخذت ثنوية الخير والشر تدور في عالمنا هذا، بدأ كل طرف من طرفيها بتنمية الأغصان والفروع، بما يدعمه، ويمكّن له. بنى الخير الكثير من الرواسي والثوابت داخل النفس البشرية وخارجها؛ حيث اعتمدته الفطرة الإنسانية السوية، وتحول إلى قيمة لدى كثير من البشر.
وما إن بدأ الإنسان بالسعي إلى بناء المؤسسات والشركات، أخذ ينقل مما يعرف إليها، فيكسبها من صفاته وقيمه، وكان لقيمة فعل الخير من ذلك نصيب، وإن كانت هذه القيمة قد تأخرت لتظهر في الممارسات المؤسسية، فبدأ الاقتصاد معتمداً على المنفعة المادية، متطوراً رويداً رويداً إلى أن أخذت المؤسسات، مؤخراً، تنادي بالمسؤولية المجتمعية، وتحقيق الأثر الإيجابي في المجتمع. ونلاحظ اليوم العديد من المواضيع الساخنة ذات الطابع المؤسسي – المجتمعي، كالمسؤولية المجتمعية للشركات، والاستدامة، وغيرهمـا. الأمر الذي هيّأ إلى ظهور «اقتصاد فعل الخير» الذي يُعنى أساساً بالتأثير المجتمعي الإيجابي، وتعتمــد المؤسسات التي تطبّق اقتصاد فعل الخير على نماذج تختلف عن نماذج الاقتصاد التقليدي، فنراها تركّز على تحقيق أهداف بيئية ومجتمعية، وتطبيق ممارسات الحوكمة (ESG).
هناك عدة عوامل أسهمت في ظهور اقتصاد فعل الخير وجعله جاذباً للمؤسسات، كوقوع شركات عالمية مشهورة تتبع النماذج التقليدية في مطبات أخلاقية وأزمات اقتصادية مدمرة، وكذلك تغيّر ذائقة وتفضيلات الجيل الجديد الذي يسعى إلى أن يعمل بالطريقة التي تتماشى مع القيم التي يؤمن بها، نضيف إلى ذلك الأزمات التي طفت على مسرح الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة من أزمات صحية، وأفق كساد عالمي، وتغير مناخي، وغير ذلك.
ويحق لنا أن نتساءل: هل يحقق نموذج اقتصاد فعل الخير للشركات المنفعة والربحية التي يوفرها النموذج الاقتصادي التقليدي؟
إننا اليوم أقرب من أي وقت آخر لكي نجيب عن هذا السؤال «بنعم»، وقد أثبتت عدة شركات القدرة على النجاح في عالم الأعمال وفي إحداث أثر مجتمعي إيجابي في ذات الوقت، أي أننا أمام نموذج عملي جدير بالاعتماد والتطبيق.
هناك الكثير مما يمكن فعله لتعزيز التوجه إلى اقتصاد فعل الخير، كالتعريف بالطرق والأدوات التي يمكن اتباعها لبناء عالم أفضل، ونلاحظ للأسف أن أغلب الشركات والأفراد اليوم يلتزمون بطرق تقليدية، الأمر الذي يصعّب عليهم المضي بعيداً في هذا المجال، ويضع أمامهم عراقيل كان بالإمكان تفاديها. ونشير هنا إلى وجود العديد من الأدوات التي تساعد المؤسسات في التوجه بنجاح إلى اقتصاد فعل الخير، قد لا يتسع حديثنا اليوم لذكرها، لكنها تتوفر في العديد من المصادر والكتب مثل كتاب «صندوق الأدوات: استراتيجيات صياغة التأثير الاجتماعي».
ولكن ماذا بخصوص المؤسسات التي ترغب في سلوك هذا الطريق، لكنها لا تعرف كيف تبدأ، أو كيف تقف على الأثر المجتمعي لما تقوم به من أعمال. يوجد أكثر من إطار يمكن للمؤسسات أن تقوم بتطبيقه في هذه الحالة، ومنها «إطار عمل المساهمات الصافية»، يمكن استخدام هذا الإطار لتقييم التأثير الكلي لمؤسسة ما على المجتمع، آخذين في الاعتبار الآثار السلبية والإيجابية، وينظر هذا الإطار في عوامل مثل خلق فرص العمل، والتلوث البيئي، والمساهمات الضريبية، وحقوق العمال، وغيرها. كما يحلل الطرق التي تتعامل بها المؤسسة مع أنواع رأس المال المختلفة: كرأس المال البشري ورأس المال الطبيعي ورأس المال المادي وغيرها. باختصار، يخبرنا هذا الإطار ما إذا كان العالم سيكون أفضل بوجود هذه المؤسسة مقارنةً بعدم وجودها.
* خبير إداري
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3vxj2euj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"