ماذا بعد احتجاجات«حياة السود مهمة» ؟

قراءة في ضبط الأمن والنضال ضد الرأسمالية
00:02 صباحا
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
1
1

عن المؤلف

الصورة
1
سيدريك جي جونسون
سيدريك جي. جونسون أستاذ الدراسات الأمريكية الإفريقية والعلوم السياسية بجامعة إلينوي في شيكاغو.

تأليف:عرض وترجمة:

غيرت الانتفاضة التاريخية في أعقاب مقتل جورج فلويد الطريقة التي يفكر بها الأمريكيون والعالم بشأن العرق والشرطة. والسؤال هو لماذا لم يتحقق سوى القليل من الإصلاحات الجوهرية؟ يشير الكتاب «ماذا بعد احتجاجات حياة السود مهمة» إلى أن عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية لا تزال تسبب الكثير من الأزمات في الداخل الأمريكي، ويطرح سبلاً لتحسين حياة الأمريكيين.

قتل رجل أمريكي من أصل إفريقي يبلغ من العمر ستة وأربعين عاماً، على يد شرطة مينيابوليس في أواخر مايو 2020. عندما انتشر فيديو موت فلويد وصرخاته وهو يطالب بالرحمة، خرج الملايين إلى الشوارع في مسيرات ووقفات احتجاجية سلمية، وملأوا الحدائق والساحات العامة في جميع الولايات الأمريكية، من أكبر مدن البلاد إلى أصغرها. واعتبر مقتل فلويد على يد الشرطة إحياء لحركة خاملة، ما أدى إلى ما قيل عنها بأنها أكبر موجة من الاحتجاجات الجماهيرية في تاريخ الولايات المتحدة.

11

 يقول المؤلف: «في بعض البلدات، انضم قادة الشرطة إلى المتظاهرين، وشدوا أذرعهم، وفي بعض الحالات جلسوا على ركبهم على غرار احتجاج كولين كايبرنيك في الدوري الوطني لكرة القدم منذ سنوات سابقة. في مدن أخرى، قوبل المتظاهرون السلميون بكتيبة من شرطة مكافحة الشغب، مع غاز مسيل للدموع ووابل من الرصاص المطاطي، وفرض حظر التجول بصرامة. وفي أوقات أخرى، قام المتظاهرون المضادون بعرقلة الميليشيات السلمية، حيث كانت الميليشيات التي ترتدي السترات الواقية من الرصاص تلوح بالبنادق الهجومية وتلاحق المتظاهرين غير المسلحين. قوبلت قوة الشرطة في مدن مثل شيكاغو ونيويورك في بعض الأحيان بمواجهة مرتجلة وجريئة، حيث أحرق المتمردون سيارات وأقاموا حواجز من حاويات القمامة وصناديق الصحف. تم تداول أدلة تفصيلية عن هذه الاستراتيجيات لمواجهة سلطة الشرطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الناشطين. في بعض اللحظات بدا أن المتمردين قد ينتصرون. وقفت شرطة أتلانتا في الطابق الأول من المقر الرئيسي لشبكة «سي إن إن» محدقين في حشد جريء هددوا بالاستيلاء على المبنى في مشهد تم عرضه في جميع أنحاء البلاد لأسابيع. سرعان ما تُرجمت طاقة الاحتجاجات إلى عالم الرياضة الاحترافية. قام ما يقرب من عشرة لاعبين في دوري كرة القدم الوطني بتحميل مقطع فيديو قصير يؤكد دعمهم ل«حركة حياة السود مهمة» يدعون رؤساء الدوري لإظهار التزاماتهم بمناهضة العنصرية».

 مواجهة العنف العنصري

تجاوزت الاحتجاجات الجماهيرية المشكلة المباشرة المتمثلة في عنف الشرطة، حيث استهدفت العديد من التظاهرات رموز التفوق الأبيض. في نيو أورلينز، انتزعت الحشود تمثالاً نصفياً لمالك العبيد جون ماكدونو ودحرجته في نهر المسيسيبي. عبر المحيط الأطلسي، قدم النشطاء في إنجلترا المعاملة نفسها إلى تمثال تاجر الرقيق إدوارد كولستون، وألقوا به في ميناء بريستول وأقاموا تمثالاً جديداً للناشطة السوداء المحلية جين ريد مع رفع قبضتها في تحية القوة السوداء (بلاك باور). كما قام النشطاء الذين تحركوا بقيادة منظمين من حركة الهنود الأمريكيين بإسقاط تمثال برونزي يبلغ ارتفاعه عشرة أقدام لكريستوفر كولومبوس خارج مبنى العاصمة في سانت بول. يعلق المؤلف بالقول: «للحظة، بدا أن حرب المدينة والشعب قد بدأت. في الأسابيع التي أعقبت وفاة فلويد، حاصر نشطاء مينيابوليس بالقرب من شارع 38 وشارع شيكاغو، ما جعل المنطقة منطقة محظورة على الشرطة، وأعلنوا لاحقاً أن المنطقة المحتلة هي «ميدان جورج فلويد». بعد أن تخلت الشرطة عن السيطرة على محطة المنطقة الشرقية في سياتل، احتل النشطاء لفترة وجيزة 6 مبانٍ بالمدينة. ودافع قائد شرطة سياتل عن التخلي المؤقت عن المنطقة ووصفه بأنه «تمرين على الثقة» يهدف إلى تهدئة الاحتجاجات. ودان الرئيس دونالد ترامب هذه الأفعال، واتهم قادة سياتل بفقدان السيطرة على المدينة ووصفهم بأنهم ضعفاء سياسيون. وسط اختبارات ساخنة بالقرب من البيت الأبيض، مع ذلك، تراجع ترامب إلى ملجأ تحت الأرض، ليعود إلى الظهور مرة أخرى بعد أيام ليقدم مشهداً فاشياً».

الصورة
1

 في حياته، كان فلويد رجلاً ينتمي إلى الطبقة العاملة ويعيش في غموض نسبي. في وفاته، أصبح رمزاً دولياً للعنف العنصري، لكنه أصبح أيضاً تجسيداً للسخط الاجتماعي الأوسع الذي ميز أمريكا في عهد ترامب. كانت وفاة فلويد، جزءاً من سلسلة من عمليات القتل التي تقوم بها قوات الأمن الأهلية والشرطة التي أثارت الغضب العام.

 يشير المؤلف إلى أن موجة الغضب على مقتل الشرطة لفلويد وآخرين أصبحت ممكنة بفضل العمل المستمر للنشطاء المناهضين للشرطة، لكنه كان أيضاً نتيجة للظروف التي أوجدتها جائحة فيروس كورونا. وكما لاحظ السياسي والشرطي المخضرم، إريك آدامز، فإن الظروف الأليمة للوباء جعلت العديد من الأمريكيين يشعرون بأن حياتهم فعلياً غير مهمة. إن الطابع غير الليبرالي لإدارة ترامب، وإساءة تعامله الجسيمة مع أزمة كورونا، ووصول البطالة إلى مستويات لم تشهدها البلاد منذ الكساد الكبير، ومعدل الوفيات المذهل والقلق الجماعي من الوباء، كل ذلك ضاعف من التكاليف الاجتماعية للتفاوت العرقي. كانت هذه أرضاً خصبة لإعادة ولادة وتوسع المشاعر المتعلقة بحياة السود، كما يقول المؤلف.

 ويقول الكاتب هنا: «بدلاً من جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، كما وعد ترامب في حملته، دفعت رئاسته الأمريكيين إلى حافة الفوضى بقمع بوليسي شرس للتظاهرات السلمية، والميليشيات المسلحة التي تجوب شوارع المدينة، وتنهب المناطق التجارية فيها. أصبحت الجماهير في حالة تمرد مفتوح، وحدثت 200 حالة وفاة بسبب وباء كورونا في أقل من عام. وبدلاً من إحياء أيام الحرب الباردة لازدهار الضواحي، كشفت إدارته عن كل إخفاقات وتناقضات الرأسمالية الاستهلاكية في فترة ما بعد الحرب التي تصورها على أنها ذروة الحضارة. ضاعف ترامب من استراتيجية اليمين الجديد، لكن الأرضية السياسية والاقتصادية والديموغرافية تغيرت في نصف قرن منذ ظهور «الأغلبية الصامتة» الرجعية إلى الوجود. المجتمع الاستهلاكي باقٍ، لكن الحلم الأمريكي بحياة الطبقة الوسطى، الذي لم يكن متاحاً للجميع أبداً، أصبح محفوفاً بالمخاطر أكثر من أي وقت مضى».

 يتساءل المؤلف: «هل أنذرت الاحتجاجات الضخمة التي أعقبت وفاة جورج فلويد برؤى بديلة للمجتمع؟ هل ستعطي مثل هذه القوى الشعبية الزخم للإصلاحات التكنوقراطية المعتدلة، كما فعلت أثناء إدارة باراك أوباما؟ أم في ظل غياب القوة المضادة الفعالة، هل سنشهد المزيد من التغيرات الرجعية التي تُشرع العنف اليومي لرأس المال أو على الأقل إزالة الجوانب الأكثر هجومية عن الأنظار؟

 نقطة تحول تاريخية

نظراً للحجم الهائل من الاحتجاجات التي انبعثت من جديد حول حركة «حياة السود مهمة»، فقد احتفل العديد من النقاد والعلماء والناشطين بتمرد جورج فلويد باعتباره نقطة تحول تاريخية، حيث لاحت إمكانية الإصلاح الحقيقي في الأفق.

يذكر المؤلف أنه خلال سنوات حكم أوباما، تركت احتجاجات «حياة السود مهمة» أزمة على ما يبدو في شرعية العمل الشرطي كمؤسسة. في مدينة تلو الأخرى، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، زادت المناقشة العامة من وتيرة الطلب على محاكمة الضحايا وتعويض أسرهم إلى مطالب بإصلاحات منهجية أعمق، وفي جوانبها الأكثر تطرفاً، إلغاء الشرطة والسجون تماماً. منذ نشأتها، كانت حياة السود مهمة في الأساس تعبيراً عن الليبرالية العنصرية، وأصبحت أكثر إلحاحاً وتحسناً في سياق سنوات أوباما الأولى. خلال حملة أوباما وخلال السنوات الأولى لإدارته، واجه أول رئيس أسود وابلاً من الهجمات العنصرية من متظاهري حزب الشاي والولادة، بقيادة ترامب الذين شككوا في جنسيته ودستورية رئاسته.

لكن يرى المؤلف أنه «على الرغم من التركيز على المشكلة المحددة لعنف الشرطة ضد المدنيين السود، فإن حركة «حياة السود مهمة» كان تكافؤ قوي ووسيلة للتعبئة»، ويضيف: «تكمن قوة شعار حركة «حياة السود مهمة» في نجاحها في إعادة تأكيد الظلم العنصري باعتباره تناقضاً مركزياً».

 يشير الكاتب إلى أنه قد تمثل هذه التدابير إيقاظاً ثقافياً مهماً، لكن استراتيجيات الإصلاح نفسها لم تفعل شيئاً يذكر لتحسين ممارسات استخدام القوة أو الحد من انتشار المواجهات المميتة بين الشرطة والمدنيين. قُتل جورج فلويد في مدينة طبقت «أفضل الممارسات»، لكن ذلك لم يمنع ضباط الشرطة من استخدام القوة والتصرف مع الإفلات من العقاب. كما أوضح العديد من العلماء والمحللين الآخرين، قد يكون إصلاح ممارسات الشرطة ضرورياً، ويمكن أن يقلل الضرر، لكن الإصلاح التكنوقراطي لن يحل المشكلة المطروحة.

يرى المؤلف أن الليبرالية العنصرية غير كافية لمهام معالجة الأزمة الحالية وحماية المواطنين الأكثر ضعفاً الذين تتم إدارتهم من خلال سلطة الشرطة. هذا لا يعني أن الإصلاحات الليبرالية لا يمكن أن يكون لها تأثير في الحد من الضرر وتحسين العلاقات بين الشرطة والمجتمع، أو أن نظاماً أكثر إنسانية للعدالة الجنائية غير ممكن. قائمة الإصلاحات التي أصبحت الآن جزءاً من التيار العام، مثل المعايير الوطنية لاستخدام القوة، وكاميرات الجسم الإلزامية والعالمية لوحدات الشرطة، وإلغاء التجريم وإلغاء الحبس، وغيرها.. لكن أياً من هذه الإصلاحات لم يغير الوظيفة الأساسية للشرطة في ظل الرأسمالية المتأخرة. يجب أن تتجاوز النضالات المناهضة للشرطة في نهاية المطاف الليبرالية الفطرية والسياسات العرقية ل «حياة السود مهمة»، وهي طرق سياسية مسدودة يتم اغتصابها بسهولة من جانب طبقة المستثمرين والسياسة الحزبية السائدة، وبدلاً من ذلك تعالج بشكل مباشر التناقضات الأساسية للطبقة الرأسمالية التي تدفع الشرطة إلى القتل.

يضع هذا الكتاب تطور القوة الجسدية في عصرنا ضمن الديناميكيات الأوسع لتراكم رأس المال والصراع الطبقي، والطرق التي بدأ بها اقتصادنا السياسي الحالي ونظامنا الشرطي من خلال التحول الحضري الذي أعقب الحرب العالمية الثانية. ويعلق الكاتب على ذلك قائلاً: «إن الوجود غير المتناسب للضحايا السود وحقيقة أن الحركات السوداء قد ضاعفت من مشاكل الاعتقال الجماعي والشرطة لا تنفي الأصول الرأسمالية لهذه المشكلات، أصبح الفقراء الحضر السود رمزاً لعدم المساواة الأمريكية خلال الحرب الباردة، لكن تلك الرمزية شوهت الطابع المتعدد الأعراق دائماً للبروليتاريا الفرعية. بسبب هذه السياسة الرمزية والجغرافيا ووجود البنية التحتية للحقوق المدنية السوداء، كان المسرح الحضري لعدم المساواة وانتهاكات الشرطة هو المرحلة الأولية من احتجاجات «حياة السود مهمة».

 بنية الكتاب

 يشرع هذا الكتاب في تحليل الظروف المحيطة بكيفية عمل الشرطة داخل الرأسمالية المتأخرة وتوليد رؤى سياسية قد تحفز الجدل وتقربنا أكثر نحو مجتمع أكثر عدلاً. تتخطى الفصول التي تتبع أنماطاً مختلفة من التحليل، وتتحول من التفسير التاريخي إلى النقد السياسي والثقافي والنظرية التأملية. يقدم الفصلان الأولان تفسيراً تاريخياً بديلاً لظهور أسلوبنا الحالي في العمل الشرطي، والذي لا يتجذر في دوريات العبيد ما قبل الحرب أو حتى تجريم العصر التقدمي للمهاجرين السود الذين تم تحضرهم حديثاً؛ بل في التوسع الاستهلاكي والمجتمعي ما بعد الحرب والتحول المكاني والاقتصادي الدراماتيكي للمدن الأمريكية. أدت هذه العمليات إلى ظهور الطبقة الوسطى المثالية في الضواحي و«الطبقة الدنيا» الحضرية، وكلاهما مفاهيم أيديولوجية محافظة قوضت وعي الطبقة العاملة.

 يتحول الفصلان الثالث والرابع من هذا التفسير التاريخي الافتتاحي لأصول ضبط الأمن المؤقت إلى تحليل نقدي للموجة الأولى من «حياة السود مهمة» والطرق التي تراجع بها حركة «حياة السود مهمة» السياسات العرقية السوداء حتى وهي تتدرب على قيودها السياسية. النقد الأساسي الذي اشتغل عليه المؤلف هنا هو أن السياسة الليبرالية المناهضة للعنصرية هي في حد ذاتها سياسة طبقية، تنبثق من طبقة مهنية- إدارية سوداء قلقة بحق، لكنها موجهة إلى حد كبير نحو جعل اقتصاد السوق يعمل بينما تفشل في تمييز الرابحين والخاسرين الحقيقيين من التحول الليبرالي الجديد داخل وما وراء السكان الأمريكيين من أصل إفريقي. أخيراً، يتعمق الفصلان الخامس والسادس مباشرة في المناقشات حول إلغاء تمويل أقسام الشرطة وتفكيكها، لتطوير موقف مناهض للرأسمالية يضاعف من رؤية الكتاب المؤيدة للعمال والمنافع العامة للسياسة اليسارية والعمل على الضمان الشامل للأمن الاقتصادي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/mu2av2rc

كتب مشابهة

1
زاندر دنلاب
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
بوتين وشي جين بينغ
ريتشارد ساكوا

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث
1
باسكال بيانشيني وندونجو سامبا سيلا وليو زيليج
1
هاين دي هاس