انتشلوا بعضكم

00:31 صباحا
قراءة دقيقتين

لعل من أبرز مفرزات الحياة المعاصرة ما يمر به إنسان الوقت الحالي من «ضغوطات».. فنجد كلمة مضغوط أو مضغوطة تتكرر علينا يومياً.
الأب المضحي الذي يغيب طويلاً عن بيته ليوفر احتياجات أولاده ولا يفقد حب ابنه لأنه لا يستطيع أن يشتري له سيارة معينة.. الأم التي اضطرت إلى العمل مضاعفة بذلك مسؤولياتها وتحدياتها وهي في مواجهة مع إثبات الذات وانتزاع فرصتها والتغلب على شعور الذنب بداخلها حتى لا تصبح مقصرة في أدوارها الفطرية الطبيعية.. المبدع الذي لم تعد تسعه الوظائف ولا المنصات فانعزل في زوايا ذلك المكان الخشبي البالي ولا تفاصيل هنا تذكر.. الموظف الذي تطحنه ساعات العمل الرتيبة وهو ينازع سنوات الخدمة ليرقى سلم حلمه الذي تثاقلت خطواته عليه؛ لأن المقعد مشغول بالمسؤول التقليدي المتشبث.. شابات وشباب أحلامهم كصلصال شكلته الحياة الزائفة التي تمر على الشاشات وخلف الجوال، فبات أقصى حلمهم «حرية مزعومة والتمتع والترفيه» فغرقوا في براثن المهدئات والسهر والتخبط والعلاقات العابرة.. ويقابلهم شباب جادون ظنوا أن حلم التخصص سهل البلوغ والوظيفة اللامعة محجوزة مسبقاً فارتطموا بجدار اليأس.
قد تبدو نبرة تشاؤمية نوعاً ما، ولكن هل ننكر أنها واقع عربي معِيش في كثير من المجتمعات التي لم تعد تختلف كثيراً عما عرفناه من أزمة الإنسان الغربي؟
كل ذلك خلّف حالة من «الاغتراب النفسي».. نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية وأسرية وغيرها يعيشها الإنسان العربي اليوم مهما يتأقلم معها غير مدرك كم تتآكل روحه من الداخل وهو يتجاهلها، فالقوة للمصالح والنفعية وهي العلاقة الحاكمة بين البشر بصيغتها ذات الصبغة الفردانية حتى بات اختيارنا للمحيط والأصدقاء والزملاء مربوطاً بحاجة ما.. فوق الالتصاق الإلزامي بالرأسمالية التي انتصرت للسلعة والمادة والتكنولوجيا على حساب التأملات الفلسفية والإبداعات الفكرية!.
المواجهة مع النفس واحدة من أشرس المواجهات وأكثرها فتكاً إن لم نكن واعين بما فيه الكفاية في كيفية التعامل مع المسببات والأعراض التي تخلفها الضغوطات وما يصاحبها من مشاعر حنق وسخط وإحباط.. يسحبنا ذلك نحو خطر حقيقي يدخلنا في دوامات نفسية وجسدية عدة.. من انعزال وإدمان وسلوكيات عدائية.
وهذا ما يجب الالتفات إليه بجدية في صياغة المبادرات التي تخرج الموظفين ومن في حكمهم إلى مساحة أكثر تفاؤلاً ومتعة.. بمنح الفرص والإيمان بالقدرات وتغليب الروح الإنسانية على القوانين البشرية الوضعية إن تطلب الأمر.. فالمكافأة والتعويض وخلق حياة اجتماعية موازية تتيح لكل أفراد المنظومة الأسرية والاجتماعية العيش بأمان والحصول على فرص عادلة.. وبث رسائل عميقة في النفس البشرية والإبداع في تعميم هذا الفكر الواعي بين الشباب واليافعين.. بانتشال بعضنا البعض عبر كلمات داعمة ونفس طويل يبث الأمل ويركل العجز بعيداً.. بالاحتواء الضمني والعلني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s3nkrxs

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"