«الرِدّة» الورقية

الورقي أم الإلكتروني؟ وجدنا أنفسنا خلال السنوات القريبة الماضية، ندور داخل دوامة الاختيار ما بين الورقي والإلكتروني، أيهما أفضل؟ إلى أيهما القلب يميل، والمستقبل سيكون من نصيب هذا أم ذاك؟ والدفة طبعاً كانت تميل إلى الإلكتروني، وكثر كانوا وما زالوا يدعمون فكرة الاستغناء عن الورقة والقلم والكتاب الذي يحمله القارئ بين يديه، ويشم رائحته، ويلمس حروفه.. وكلما مر الوقت وتطورت أدوات العصر، تراجع الكتاب، وكادت تختفي الأقلام والأوراق لولا التعاملات الرسمية التي تفرضها بعض المؤسسات. ولولا حب البعض منا وتمسكه بالكتاب وبالوسائل التقليدية التي يحرص على ممارسة طقوسه من خلالها، خصوصاً في أوقات القراءة والكتابة، لانتقل العالم سريعاً إلى المستقبل، رامياً خلفه كل الوسائل التي استخدمها الآباء والأجداد في المراسلات والتعلم والثقافة. 
مقابل هذه الهجمة القوية على التعامل مع الإلكترونيات في كافة المجالات، والاعتماد أكثر على الذكاء الاصطناعي والكمبيوتر في التعليم، نفاجأ بظاهرة جديدة بدأت ترى النور في العالم الغربي، ‏نزعة جديدة تقلب الموازين، لتعيد للقراءة والكتابة التقليديتين، وللورقة والقلم الرونق المعهود؛ حيث صرّحت وزيرة التربية والتعليم السويدية: «سوف نعود للكتب والورق بدلاً من الشاشات الرقمية، لمواجهة ضعف القراءة»، معلنة مع وزيرة الثقافة عن وضعهما خطة؛ هدفها العودة إلى استعمال الكتب الورقية بدلاً من الأجهزة الإلكترونية التي تسببت بتراجع وضعف مهارات الطلاب في القراءة والكتابة. 
السويد التي تعد من رواد التعليم في العالم، فضلت التوقف اليوم وقبل فوات الأوان، لانتشال الأجيال الجديدة من انهيار مستواهم التعليمي والذي نعده بدائياً، لأنه مرهون بأول صلة كانت تربط الإنسان بعالم القراءة والكتابة والتعليم، وهي الورقة والقلم والكتاب. 
السويد ستعيد الكتاب إلى المدارس، بينما أجرت فرنسا مسابقة فريدة من نوعها؛ حيث حوّلت جادة الشانزيليزيه إلى فصل ضخم، ضم أكثر من 50 ألف شخص من مختلف الأعمار، على مساحة 6600 متر مربع، ولوح حجمه 102 متر، والمسابقة في الإملاء شملت عدة نصوص منها القديم للكاتب الفرنسي ألفونس دوديه، ومنها النصوص الحديثة؛ وكانت النتيجة طبعاً تفوق الكبار على الصغار والشباب! 
مؤسف أن ترى أطفالاً لا يجيدون الكتابة ورسم الحروف على الورق كما كنا نفعل، وفعلت كل الأجيال السابقة، بينما هم بارعون في التعامل مع الهواتف والألواح الإلكترونية كأنهم خبراء؛ لذا نتمنى أن تكون هذه «الردّة» والالتفاتة نحو القراءة والكتابة والتعامل مع الورق دائمة ونهضة جديدة يستعيد فيها الكتاب رونقه وقيمته، ويستعيد فيها الطفل مهارة إعمال العقل قبل أن يسيطر عليه الذكاء الاصطناعي، ويتحكم بحياته ومستقبله.
[email protected]