ملابسات الذكاء الاصطناعي

00:51 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

ما هو تأثير الذكاء الاصطناعي على مختلف جوانب الحياة البشرية؟ سؤال مهم في ظل تضارب وجهات النظر حول علاقة التكنولوجيا فائقة الحداثة بالعمل على سبيل المثال. فكلنا يتذكر تلك الممرضة الصينية التي حطمت أحد الروبوتات لأنه حل بديلاً عنها في وظيفتها، لكن هناك بعض الخبراء والاقتصاديين الذين يؤكدون أن الذكاء الاصطناعي لن يؤثر في سوق العمل؛ بل سيوفر العديد من الوظائف في مختلف الحقول، ومنهم وزير المالية اليوناني الأسبق يانيس فاروفيكس في كتابه اللافت «الاقتصاد كما أشرحه لابنتي». فوفقاً للكتاب لا يهم الرأسمالي إلا الربح ولن تستطيع «الروبوتات» أن تسهم في دورة رأس المال، ومن ثم تحقيق الأرباح، كما يفعل البشر، وبالتالي، فإن بطالة قطاعات واسعة من البشر ليست في صالح الرأسمالية العالمية.

  إذن، يبدو تأثير الذكاء الاصطناعي في العمل مسألة لا تزال في بداياتها، تتضارب فيها الآراء وتختلف. هذا التضارب لا يقتصر على مسألة العمل وحدها فقط، لكننا نلاحظ كذلك أنه يمتد إلى تأثير الذكاء الاصطناعي على حقول عدة أخرى ومنها الإبداع. 

  نحن نقرأ بين فترة وأخرى عن معرض فني أقيم بواسطة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهناك حالياً من يوظفه في الغناء والموسيقى، وهناك تقارير عن قدرة هذا الذكاء على الإبداع في العديد من أشكال الكتابة: المقال، الرواية، القصة، المسرحية.. الخ. والبعض يتحدث عن مشاعر وعلاقات حميمية يمكن أن تميز علاقة ما بين إنسان و«روبوت»، وظهر ذلك واضحاً في أحد الأفلام الأمريكية الخيالية بعنوان «هي»، إنتاج عام 2013، حيث انخرط البطل في قصة حب عميقة وحقيقية مع صوت امرأة عبر الذكاء الاصطناعي.

  بخلاف المشاعر، هناك تصورات أخرى عن قدرة الذكاء الاصطناعي على تطوير تفكير مركّب، الأمر الذي يتيح لتلك البرمجيات مناقشة القضايا الإشكالية وإبداء الرأي فيها. وهنا نسأل هل يصل التطور بالذكاء الاصطناعي إلى تخوم التفكير المجرد، ما يسمح له في أحد الأيام بإنتاج أطروحات فلسفية. 

  إذن يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام بمختلف مهام وأعمال الإنسان، والتمتع بالمشاعر والتفكير، وهي المسألة التي دفعت مجموعة من صناع ومطوري تلك البرمجيات مؤخراً إلى دعوة العالم إلى التروي والتمهل في التطوير المتسارع والمتلاحق للذكاء الاصطناعي؛ حيث يبدو أن هناك خطورة حقيقية محدقة بالبشر. هذه الدعوة تعيدنا إلى تلك الحيرة التي أشرنا إليها في البداية، هل ما يحدث على الأرض ويتعلق بتكنولوجيا غير مسبوقة في صالح البشر أم أن للمسألة تداعيات عملية سلبية وربما أخلاقية تتطلب التوقف والمراجعة؟

  تفتح مسألة الذكاء الاصطناعي الباب لسؤالين، الأول طرحه العديد من المفكرين والفلاسفة وناقشوه طويلاً وهو: هل كل تطور يؤدي إلى الأفضل بالضرورة؟ والثاني: هل يمكن وقف أي تطور أو الحد من نتائجه؟ وتخبرنا التجارب التاريخية في ما يتعلق بالسؤال الثاني أن التطور حتمي وليس باستطاعتنا الوقوف في وجهه، وربما يشهد المستقبل غير المنظور أحد الروبوتات وهو يجلس إلى مكتبه ليدون تاريخاً قديماً للأرض؛ حيث كان يعيش الإنسان العاقل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrx83xaf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"