المصارف الخاصة في المنطقة تتجه لاستقطاب الأثرياء

21:38 مساء
قراءة 4 دقائق

فرانسوا فرج الله*

تسير منطقة الشرق الأوسط بخطى متسارعة، نحو التحول إلى مركز يحتضن أعداداً متزايدة من الأفراد ذوي الثروات الطائلة «إتش إن دبليو آي»، فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة «نيو وورلد ويلث»؛ وهي شركة لاستخبارات الثروات، عن زيادة بنسبة 18% في عدد الأفراد من ذوي الثروات الطائلة في دبي وحدها، خلال النصف الأول من عام 2022. علاوة على ذلك، من المتوقع أن تنضم المدينة إلى قائمة أغنى 20 مدينة، حول العالم، بحلول عام 2030. وتسهم عوامل عدة في ارتقائها إلى هذا المصاف ومنها: نمو الثروة المحلية، وهجرة الأفراد ذوي الثروات الطائلة من مختلف أنحاء العالم، الذين تستقطبهم سياسات التأشيرات الجديدة وأنظمة المناطق الحرة واللوائح الضريبية المواتية، كما توفر الخدمات المصرفية الخاصة المبتكرة في المنطقة، مورداً قيّماً للأثرياء الإقليميين، الذين يسعون إلى تنمية ثرواتهم.

تشهد دول عدة اليوم تحديات اقتصادية كبيرة مثل: بطء النمو، وارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة. وفي المقابل، تحقق اقتصادات الشرق الأوسط معدلات جيدة في الأداء، بفضل ارتفاع أسعار النفط، وازدهار القطاع العقاري، ونمو القطاع الصناعي وقطاع الاتصالات. كما أن التحرير الاقتصادي، والاستثمار الحكومي في البنية التحتية والقطاعات غير النفطية، يقودان حركة النمو، وهو أمر يعززه التطور المستمر، الذي تشهده الأسواق المالية في المناطق الحرة مثل، مركز دبي المالي العالمي وسوق أبوظبي العالمي. ويتجه أصحاب الشركات وقادة ورجال الأعمال الأثرياء، بشكل متزايد، إلى الخدمات المصرفية الخاصة، التي تتيح لهم الاستفادة من فرص الاستثمار في أسواق الثروات الإقليمية.

وفقاً لشركة التكنولوجيا المالية «رفينيتيف»، يبلغ حجم قطاع التمويل الإسلامي نحو أربعة تريليونات دولار أمريكي، ويتجه العديد من العملاء الأثرياء، في منطقة الشرق الأوسط، إلى الاستثمار في منتجات مالية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، من خلال الخدمات المصرفية الخاصة، التي تملك خبرات واسعة في هذا القطاع، فعلى سبيل المثال، تشير وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، إلى أن التمويل الإسلامي في دولة الإمارات، شهد في الربع الأول من عام 2022، نمواً بمعدل أعلى (6%) من التمويل التقليدي (2%).

يسعى أصحاب الثروات الطائلة في الشرق الأوسط، بشكل متزايد، إلى إيجاد حلول مالية مستدامة ومتوافقة مع الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة نحو تنويع اقتصاداتها، بعيداً عن النفط والغاز. وفقاً لتقرير «غلوبال داتا»، حول التحول في مجال الطاقة في الشرق الأوسط في عام 2022، من المتوقع أن ينخفض حجم توليد الطاقة باستخدام النفط في المنطقة، بنسبة 30%، في العقد المقبل، بسبب التحول إلى الوقود منخفض الكربون، ويسعى أصحاب الثروات الطائلة في المنطقة إلى الاستثمار في حلول مستدامة، تحمي إرثهم للأجيال القادمة على المدى الطويل، وتقدم البنوك الخاصة خدمات استشارية عالية الجودة، في مجال الاستثمارات المتوافقة مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في الشرق الأوسط.

شهدت أسواق السندات والأسهم تقلبات كبيرة، خلال عام 2022، ونتيجة لذلك، يسعى أصحاب الثروات في الشرق الأوسط إلى التنويع في الاستثمارات الدولية والاستراتيجيات البديلة طويلة الأجل مثل: الاستثمار في البنية التحتية والنقل والأسهم الخاصة. وانطلاقاً من الرغبة التي يبديها هؤلاء لتوسيع استثماراتهم إلى خارج الأسواق المحلية، تحرص البنوك الخاصة على إثبات قدرتها على توفير أفضل الخدمات الاستشارية، في مجال الاستراتيجيات الاستثمارية العالمية.

أعلنت الإمارات، عام 2022، عن بدء تطبيق الضرائب على الشركات لأول مرة في تاريخها، وقد تم تنفيذ اللوائح الضريبية الجديدة، بدءاً من شهر يونيو/ حزيران 2023، ويشكل هذا القرار نقلة نوعية في سياسة الإعفاء الضريبي، ما ساعدها على التحول إلى مركز دولي للتجارة، ونقطة اجتذاب للشركات العالمية الباحثة عن سياسات الإعفاء من الضرائب؛ حيث طبقت ضريبة قدرها تسعة في المئة على الشركات، التي تحقق دخلاً يتجاوز 375,000 درهم (102.000 دولار أمريكي). وعلى الرغم من أن هذا المعدل يعد منخفضاً مقارنة بالاقتصادات الغربية، فإن هذا التحول يعني أن الأثرياء سيحتاجون، بشكل متزايد، إلى الخدمات المصرفية الخاصة، لدمج الاستراتيجيات الضريبية المتغيرة في خطط إدارة ثرواتهم. فيما تمرّ الأسواق العالمية بحالة من الاستقرار في أنشطة الصفقات العالمية، تشهد الأسواق في الشرق الأوسط مستويات عالية من الاستثمارات الداخلية والخارجية، ويمكن للبنوك الخاصة أن تساعد أصحاب الثروات في الحصول على فرص جديدة في قطاعات النمو مثل: التكنولوجيا والرعاية الصحية والصناعات والسياحة والسلع الاستهلاكية. ووفقاً لشركة المحاماة الدولية «دي إل أي بايبر»، تستحوذ صناديق الثروة السيادية، التي شهدت نمواً كبيراً على الحصة الأكبر من رأس المال الخاص في الشرق الأوسط (48%)، وتليها البنوك الوطنية والاستثمارية ب (33%).

تسعى الحكومة (وصناديق الثروة السيادية)، إلى الاستثمار في التكنولوجيا، لترسيخ الأجيال الجديدة من رواد الأعمال الرقميين، وتستقطب منطقة الشرق الأوسط، شركات التكنولوجيا عالية النمو، مع استثمار 3.94 مليار دولار في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، عام 2022، وفقاً لشركة رأس المال الاستثماري «وامدا»، ومع الاستعانة بالبنوك الخاصة، بشكل متزايد، لتقديم المشورة للشركات ذات النمو السريع ولمؤسسيها.

وفي ظل حركة الازدهار، التي تشهدها الاقتصادات الحيوية والتحول السياسي والاقتصادي في المنطقة، تتجه المنطقة لتصبح واحدة من أهم المراكز المالية وأهم مركز للبنوك الخاصة في العالم؛ حيث تستقطب كبار الخبراء الماليين من جميع أنحاء العالم. ما يوفر لأصحاب الثروات الطائلة فرصة كبيرة للاستفادة من الخبرات الدولية، لحماية ثرواتهم وتنميتها.

* رئيس منطقة الشرق الأوسط في «إي إف جي إنترناشيونال»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/244bkb37

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"