تحول جذري في إدارة الثروات

20:56 مساء
قراءة 3 دقائق

فرانسوا فرج الله *

مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر الأطراف (كوب28)، يتحول التركيز العالمي نحو الجهود العاجلة لمواجهة تغيُّر المناخ. وبينما تتصدر مناقشات انبعاثات الكربون والطاقة النظيفة والسياسات، عناوين الأخبار، يظهر ارتفاع ملحوظ في الاستثمارات المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط. ويشير هذا التحول إلى التزام بيئي جماعي، ويعكس نهجاً مالياً عملياً يكتسب زخماً عالمياً متزايداً.

من مجرد تفضيل إلى استراتيجية مالية مُعترف بها، تطوَّر الاستثمار المستدام بشكل ملحوظ. واتسعت دائرة المستثمرين حول العالم الذين يبحثون بنشاط عن فرص تتسق مع مبادئ الاستدامة، حيث باتوا يضمون المبادئ البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات إلى محافظهم. وهذا الاتجاه العالمي يعيد تشكيل استراتيجيات إدارة الثروات.

تسلط دراسة إنفيسكو العالمية لإدارة الأصول السيادية لعام 2023 الضوء على تطور لافت في منطقة الشرق الأوسط. وتُظهر الدراسة أن نحو 57% من البنوك المركزية، و25% من صناديق الثروة السيادية، تركز الآن على استثمارات البنية التحتية الخضراء والسندات الخضراء. وتجسّد هذه الأرقام اهتماماً متزايداً بالاستثمارات التي تؤثر بشكل إيجابي في البيئة، ما يشير إلى تحول واضح في أولويات الاستثمار.

وفي منطقة الشرق الأوسط، نشهد خطوات مهمة نحو تكامل المبادئ البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. وبشكل لافت للنظر، اعتمدت 90% من صناديق الثروة السيادية و22% من البنوك المركزية في المنطقة تلك المبادئ، ما يدل على التزام قوي بالاستثمارات المستدامة. ويشجع هذا الالتزام المستثمرين على إعادة تشكيل استراتيجياتهم للاستثمار المسؤول. إضافة إلى ذلك، تدرك 56% من صناديق الثروة السيادية والبنوك المركزية في منطقة الشرق الأوسط الدور الحيوي للمستثمرين السياديين في تمويل التحول الأخضر الضروري.

ويتوقع تقرير «ثورة إدارة الأصول والثروة» لعام 2022 الصادر عن شركة برايس ووترهاوس كوبرز (بي دبليو سي)، تحولاً ثورياً في المشهد المالي العالمي. ويتوقع زيادة كبيرة في الأصول المُدارة التي ترتبط بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، حيث من المنتظر أن ترتفع إلى 33.9 تريليون دولار بحلول عام 2026، مقارنة ب18.4 تريليون دولار في عام 2021. وبالتالي، يتبدد أي شك يطول التعارض بين الأداء المالي وأداء الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، حيث يرى معظم مديري الأصول أن دمج الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات يعزز العائدات. وفي الإطار نفسه، أفاد 60% من المستثمرين المؤسسيين بأن استثماراتهم في الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات قد أسفرت بالفعل عن عائدات أداء أعلى، مقارنةً بالاستثمارات التي لا تعتمد على تلك المبادئ.

يعكس تبني منطقة الشرق الأوسط للاستثمارات المؤثرة، الاتجاه العالمي نحو الاستثمار المسؤول، ويُظهر تآزراً بين الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والمالية، ما يدعم الإدارة الواعية للثروات.

ومع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر الأطراف (كوب28)، تحمل هذه التحولات في تركيز الاستثمار أهمية خاصة، حيث يشكّل التلاقي بين الاستثمار المؤثر، والتمويل المستدام، والمسؤولية المناخية، تحالفاً قوياً يعيد تشكيل ديناميكيات الأسواق المالية العالمية. كما يُمكّن لمؤتمر الأطراف (كوب28) من أن يكون حافزاً لتحويل هذه الاتجاهات إلى استراتيجيات عملية. إذ يدرك المستثمرون اليوم إمكانية تحقيق تغييرات بيئية إيجابية إلى جانب النتائج المالية المواتية. ويتجاوز النهج الثلاثي الأبعاد حدود الجغرافيا، مستقطباً تأييداً واسعاً من المستثمرين والمؤسسات المالية حول العالم. فيتعدى تأثير مؤتمر (كوب28) مناقشات السياسات، ويُعيد تشكيل قرارات الاستثمار، ويشجع على مستقبل تتداخل فيه حماية البيئة وازدهار الشؤون المالية.

* رئيس منطقة الشرق الأوسط في «إي إف جي إنترناشيونال»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/46dnxm29

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"