متى يصبح الابتكار سلعة عامة عالمية؟

22:35 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *
تحدثنا دراسات اقتصادية أن مرحلة الذروة في الجدل كانت قد تمت في واشنطن في شهر مارس/آذار من عام 1995. كانت المناسبة هي عبارة عن اجتماع للاحتفال بمرور خمسة وعشرين عاماً على تأسيس أوراق بروكينجز عن النشاط الاقتصادي، وقد ضمّ مقدمو الأوراق كلاًّ من «جيف ساكس» و «آندرو وارنر». عن العولمة، بينما قدم «موريس أوبتسفيلد» ورقة عن تعويم سعر الصرف، أما «روبرت هول» فقد قدم ورقة عن ضياع الوظائف، و«بول كروجمان» عن التجارة. وناقش عالم الاقتصاد «جريج مانكيو» من جامعة هارفارد «نمو الأمم» الذي ظل متمسكاً بنموذج «روبرت سولو» المحسن لفترة طويلة. ولكن، فيما بعد لم يكن العمل على تفسير وجود النمو الاقتصادي سراً حقيقياً. كانت «المهمة شديدة السهولة» كما قال: «من الواضح أن مستويات المعيشة ترتفع بمرور الزمن؛ لأن المعرفة تتوسع ودالة الإنتاج تتحسن». أما المهمة الأكثر تحدياً فهي فهم أسباب الاختلاف بين ثروات الأمم. لماذا نحن أغنياء جداً وهم فقراء جداً؟ لتفسير ذلك، يعدّ تراكم رأس المال بمفهومه الواسع سبباً كافياً.

على الرغم من كل شيء، قال «مانكيو»: «إن المعرفة متغير لا يمكن قياسه. كما سيصعب اختبار النماذج التي توظف أشكالاً مختلفة من الملكية الفكرية. تسافر المعرفة حول العالم بسرعة معقولة، مقارنة برأس المال. أما الكتب الدراسية الأكثر حداثة فيمكن أن توجد حتى في أكثر الدول فقراً. وحتى لو كان لدى مؤسسة ما سيطرة احتكارية على ابتكار ما»، واستطرد «مانكيو»، فإن هذه السيطرة ستستمر لفترة وجيزة. فقط حتى يصبح الابتكار سلعة عامة عالمية. ولذلك، فإن أفضل افتراض للتقريب المبدئي، هو أن جميع الدول لديها القدرة على الوصول إلى نفس القدر من المعرفة، ولكن الدول تختلف بصورة أساسية في درجة استغلالها لهذه السلعة العامة المجانية عن طريق الاستثمار في الخطط المادية والقدرات البشرية. فضلاً عن ذلك، كان الدليل على أن المعرفة ليست سلعة عامة دليلاً ساحقاً. وكان هذا ما دارت حوله المعرفة الضمنية وأسرار التجارة، والمعرفة التكنولوجية والملكية الفكرية.

أخبر عالم الاقتصاد الشهير «بول رومر» مؤتمر «بروكينجز» أن موقف «مانكيو» هو أن نموذج «سولو» المحسن الخاص به كان قريباً بما فيه الكفاية ليناسب الاقتصاد الكلى. ولكن. ما هي مكونات عبارة «قريباً بما فيه الكفاية»، استطرد «رومر» قائلاً: «يعتمد ذلك على الأمر الذي يحاول المرء أن ينجزه - تقديم الإجابات السليمة، أم تقديم ضروب التسلية إلى جمهور مستهدف». «ربما يولي الكينزيون الجدد اهتماماً كبيراً للطريقة التي سيتم من خلالها استقبال نموذجهم واستخدامه من قبل الخارجيين، مع إعطاء قليل من الاهتمام لما يعتقدون أنه صحيح». وذلك في إشارة إلى خوفهم المستمر من أن اقتصاد النمو الجديد سيلعب بشكل أو بآخر في أيدي أولئك الذين قاموا بمساواة خفض الضرائب بالمعدلات الأسرع للنمو. واستنتج، أن المهنة لا ينبغي أن تستقر على هذا النوع من السلوك العلمي.

بدأ النقاش الحماسي المعتاد بعد اجتماع «بروكينجز»، لم يكن من الممكن مساواة الدليل بافتراض «مانكيو» أن أفقر الدول التي لديها أسوأ السياسات لديها نفس القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا مثل باقي الدول في العالم. ولم يعد ممكناً مقاومة النماذج التي تضمنت على الملكية الفكرية وأصحاب المشروعات وسياسة التكنولوجيا، على الأقل ليس على مستوى الأبحاث. وتحول تيار المقالات والكتب التي تناولت ميكانيكا التنمية الاقتصادية إلى طوفان من الاختراعات، والمؤسسات، والمدن والنظم القانونية، ونظم الملكية الفكرية، والاستعمار، والديموغرافيا، والمناخ، والعولمة - باختصار جميع المصادر الممكنة للثروة والفقر في الدول. استمرت مدارس الدراسات العليا في تدريس نموذج «سولو» المحسن؛ لأنه كان يتلاءم بسلاسة شديدة مع ما ينبغي أن تقوله باقي الكتب الدراسية. ولكن الأعمال الأحدث بترت هذا التوجه بشكل متزايد، وتوقف «مانكيو» تدريجياً عن الدفاع عن نموذجه في المجتمع البحثي. واتجه نحو الحكومة بدلاً من ذلك، حيث عمل كرئيس مجلس إدارة المستشارين الاقتصاديين لمدة عامين في أثناء فترة رئاسة «جورج دبليو بوش». ثم عاد إلى جامعة هارفارد، حيث حل محل «مارتن فيلدستين».

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2997sdva

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"